للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقولُه: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ} أَكَّدَها بـ (إنَّ) واللام، ثُمَّ قَالَ: {مِنَ الْكَاذِبِينَ} ليفتح الباب لكذبه؛ لأَنَّه لَيسَ هَذَا أَوَّل مَن كَذَبَ، فليس بغريب أَنْ يَكذب؛ لأَنَّه قَد سَبَقَه مَن سَبَقَه، فَيَكون هَذَا أَكثَرَ قَبُولا لقوله عندهم، وليُذَكِّرَهم أَنَّ موسَى مِثل غَيره مِنَ الكَاذبينَ، فليس أَوَّل مَن كَذَبَ.

فَائدَة: قَوُله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} هَذِهِ الدَّعوَى كَذَب فيها فِرْعَونُ؛ لأنَّ موسَى قَالَ لَه: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الإسراء: ١٠٢]، لكنه يُمَوِّهُ به عَلَى قَومِه، ولهذا أمر بهذه الفَعْلَة.

وَكَذَلكَ في قَوْلِهِ: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} كذب أَيْضًا في قَوْلِهِ، بَل هُوَ مُتيَقِّن أَنَّ موسَى صادق، ولكنه زاغ وتنكَّر للحق.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَةُ الأُولَى: أن فِرْعَون قد سيطر على قلوب قومه، ووَجْهُ ذَلكَ أَنَّ مِثلَ هَذَا الكَلَام لَا يُقبَل إلَّا مِن شَخص قد سَلَب عُقولَهم، وإلَّا خرج أيُّ وَاحِد منهم ليقول: أريد أَنْ أُصْبحَ إلها.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: تَمْوِيهُ فِرْعَونَ عَلَى قَومِه، وَأَنَّه مِن أَشَدّ النَّاس مَكرًا وحِيلةً؛ لقوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إثبات عُلُوِّ اللَّه، وناخذه مِن قَولِه: {فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى}، وَهَذَا دَليل عَلَى أَنَّ موسَى قَالَ لَه: إنَّ اللَّهَ في السَّمَاء.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن فرعَونَ كَانَ عظيمَ المُلْكِ في مملكته، وَكَانَ لَهُ وزراء يأمرُهم.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: إسنَاد الفعل إلَى الآمر به إذَا كَانَ لَهُ سلطَان، لقوله: {فَاجْعَلْ

<<  <   >  >>