للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأَنَّه لَو كَانَ قضاءً كونيًّا لَلَزِمَ أنَّ النَّاسَ كُلَّهم يعبدون اللَّهَ، وليس الأمر كذلك.

وقوله تعالى: {وَقَضَيْنَا} لَا يمكن إلا في أمرٍ وقَعَ، فمثلًا لَو قُلنَا: قضَى اللَّه تعالى لأَبي بَكر أن يُسْلِمَ، فهذا قضاءٌ قَدَرِيٌّ شرعي؛ لأنَّه أمره بالإِيمَان، فآمَن، ونقول: قضى اللَّه لأبي لَهَبٍ أن يكفُرَ. هَذَا قَضَاءٌ كوني.

قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ} قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [لِذَلِكَ فَتَعْلَمُهُ فَتُخْبِرَ بِهِ].

قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ}، وقوله: {وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ} ليس فيها تكرار؛ لأن مَن كَانَ في الجانب قد يرى، وَقَد لَا يرى، وَلهَذَا قَالَ: {وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ}.

فإذا قَالَ قَائل: لماذا لم يقتصر عَلَى قَوله: {وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ}؟

قلنا: لأن الإنسَانَ قَد يُشاهد مِن بُعد، ولكن قليل، فهنا تضمن أنَّه قريب وأنه شَاهَد، ففرقٌ بين أَن نَقولَ: ما كنتَ شاهدًا، أي: ما كنتَ حاضرًا مشاهدًا بِعَيْنِك، ولو كنت بعيدًا، ولهذا لَيسَ في الآيَة الكَرِيمَة تَكرار، ولكن فيها شَيْءٌ مِنَ التوكيد، يعني: لا حَضرَ، ولا نَظَر، فيكون ما أَخبَر به عن ذلك مِن بَاب الوحي، لا مِن بَاب المشاهدة، ولا مِن بَاب السماع، ولكنَّه وحيٌ أُوحِيَ إليه.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَةُ الأُولَى: تقرير رسالة النَّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وذلك بما أخبر به عن هَذِهِ الوقائع الَّتي لَيسَ حاضرًا فيها، ولا شاهدًا.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ الوحي يُسَمَّى قضاء؛ لقوله: {إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ}.

<<  <   >  >>