للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ المُؤْمِنُ" (١).

أما الْفَرَحُ الَّذِي لَا يُحمد صَاحِبُه، فَهُوَ الفَرَحُ لِلدُّنْيَا عَلَى وَجْهِ البَطَر والأَشَرِ، فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ لما كَسَاهُ قومُه ثوبًا: فَمَا فَرِحْتُ بشَيْءٍ فَرَحِي بِذَلِكَ القَمِيصِ (٢).

وَقَالَتْ عَائِشَةُ: "لَأَنْ أَكُونَ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَمَا اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ" (٣).

فالفرح الطبيعي الَّذِي مَا يَحْمِلُ عَلَى الأشَرِ والبَطَر والكِبرياء، هَذَا أَمْرٌ لَا يُذمُّ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ، بَلْ إِذَا فرح به -لأنه وَسِيلَةٌ إِلَى مقصودٍ شرعي- كَانَ بِذَلِكَ محمودًا مأجورًا عليه، مِثْلُ أَنْ يَفْرَح بما جاءه مِنَ المَالِ؛ لأنه يُحِبُّ أَنْ يَبْذُله فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، أَوْ فِي بِنَاءِ المَسَاجِدِ، أَوْ فِي التَّصَدُّق عَلَى الْفُقَرَاءِ، يَكُونُ هَذَا الفرح محمودًا.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَةُ الأُولَى: أنَّ الغِنى سبب للطُّغيان؛ لأن قارون إنما بَغَى وطغى بسبب مَا آتَاهُ اللَّهُ تعالى مِنَ المَالِ.


(١) أخرجه الترمذي: كتاب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة، رقم (٢١٦٥)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وقد رواه ابن المبارك عن محمد بن سوقة، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عمر عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب المغازي، بعد باب مقام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمكة زمن الفتح، رقم (٤٣٠٢).
(٣) أخرجه البخاري: كتاب الحج، باب من قدم ضعفة أهله بليل، فيقفون بالمزدلفة، ويدعون، ويقدم إذا غاب القمر، رقم (١٦٨١)، ومسلم: كتاب الحج، باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى منى في أواخر الليل قبل زحمة الناس، واستحباب المكث لغيرهم حتى يصلوا الصبح بمزدلفة، رقم (١٢٩٠).

<<  <   >  >>