للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الملائكة، فجُمعوا باعتبار أجناسهم، وهذه الرُّبوبية عامَّة، وقد مَرَّ عَلَيْنَا أَنَّ الرُّبوبية تَنْقَسِمُ إِلَى عَامَّةٍ وَخَاصَّةٍ، كَمَا أَنَّ الْعِبَادَةَ، أو العُبودية تَنْقَسِمُ إِلَى عَامَّةٍ وَخَاصَّةٍ، وَقَدِ اجْتَمَعَا فِي قَوْلِهِ تعالى: {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الأعراف: ١٢١ - ١٢٢]، فقوله: {بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} هَذِهِ عامَّة، و {رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} خاصَّة.

فائدة: مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ والجماعة أَنَّ اللَّهَ يتكلم بِحَرْفٍ وصوتٍ، والحرفُ مِنْ جِنْسِ الْحُرُوفِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ، وَهَذَا لَا يَقْتَضِى التَّشبِيه؛ لأن الحروف هَذِهِ لَيْسَتْ صِفَةً للَّهِ، بل صفةُ اللَّه الصوتُ؛ أمَّا الحروف، فإنها منطوقٌ بِهَا وَلَيْسَتْ نُطقًا، فلا يُوجد تشبيه.

فقوله: {مِنَ الشَّجَرَةِ} يَعْنى بِهِ: تحديد المكان؛ لأن شاطئ الوادي واسع وعامٌّ، فتخصيص المكان يكون أَبْيَنَ؛ إِذْ إِنَّ مُوسَى لو نُودِيَ مِنْ جَمِيعِ الشاطئ لَالْتَبس عَلَيْهِ الْأَمْرُ، لَكِنْ إِذَا حُدِّدَ النِّداء مِنْ جِهَةٍ مُعَيَّنَة خاصَّة، صَارَ هَذَا أَبْيَنَ له وأَوْضَحَ.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَةُ الأُولَى: إثباتُ كلامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأن المنادِيَ فِي قَوْلِهِ: {نُودِيَ}، هُوَ اللَّهُ؛ لِقَوْلِهِ تعالى فِي آيَةٍ أُخْرَى: {إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [النازعات: ١٦].

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تعالى بالقول؛ لقوله: {نُودِيَ}، والنداء يكون بِصَوتٍ للبَعيد، والمناجاةُ بصوتٍ للقريب.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: الرَّدُّ عَلَى الأشاعِرَة الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ كَلَامَ اللَّهِ هُوَ المَعْنَى القائم بِنَفْسِه، وَلَا شَكَّ أَنَّ المَعْنَى القائِمَ بالنفس لَا يُسَمَّى كلامًا، وَلَا يُسْمَعُ، وكلام اللَّهِ تعالى يُسْمَع.

<<  <   >  >>