للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: [لَا مُخَفَّفَةٌ] الصَّواب أنها ليست مُخَفَّفَةً مِن الثَّقِيلة، فَلَا تَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مُخَفَّفةً؛ لأنَّه ينطبق عليها معنى التَفْسِيِريَّة، هَذِهِ واحدة.

وأيضًا المُخفَّفة تَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ، وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ.

وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [لَا مُخَفَّفَةٌ] إِشَارَةٌ إِلَى نَفْيِهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ المغرضين يقولون: إنها مُخَفَّفَة.

قوله تعالى: {يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، أي: الذي أُخاطِبُك.

قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أَنَا اللَّهُ} بدأ بالأُلوهيَّة؛ لِأَنَّهَا هِيَ المَقْصُودُ، ثُمَّ قَالَ: {رَبُّ الْعَالَمِينَ} فَثَنَّى بالرُّبوبية؛ لأن الرُّبوبية فِي الْحَقِيقَةِ وَسِيلَةٌ إِلَى الأُلوهية، ولهذا مَنْ أَقَرَّ بالرُّبوبية لَزِمَهُ أَنْ يُقِرَّ بالأُلوهية، وَإلَّا كَانَ متناقضًا، وَاللَّهُ تعالى يحتحُّ عَلَى المُشْرِكِينَ بالأُلوهية دائمًا بإقرارهم بالرُّبوبية؛ لِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ أَنَّ اللَّهَ ربُّه، فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ: إذن، يَجِبُ أَنْ تَعْبُدَ هَذَا الرَّبَّ، إذا عبدْتَ مَعَهُ غَيْرَهُ فَإِنَّك لَمْ تَصدُق في إقرارك بِرُبُوبِيَّتِه، فهُما مُتلازمان؛ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: ٢١]، فجَعَل الخَلْقَ الَّذِي هُوَ مِنْ مُقْتَضَى الرُّبوبية دليلًا مُلزِمًا لعبادته.

في قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنِّي أَنَا اللَّهُ} الياءُ اسْمُ (إِنَّ)، و {أَنَا} مبتدأٌ ثانٍ، ولفظ الجلالة خبرٌ للمبتدأ الثَّاني، والجُملة الاسميةُ مِن المبتدأ وَالْخَبَرِ فِي مَحِلِّ رفعٍ خبرُ (إِنَّ)، وقولُه: {رَبُّ الْعَالَمِينَ} خَبَرٌ ثانٍ لـ {أَنَا}.

قوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {رَبُّ الْعَالَمِينَ} الربُّ هُوَ المَالِكُ والمُدَبِّر لجميع الأَشْياء، وقوله: {الْعَالَمِينَ} المُرَادُ بِهِمْ مَن سِوَى اللَّهِ، وجَمعَهم باعتبار أصنافهم، وإلا فالعالَم هو كُلُّ مَا سِوَى اللَّهِ، والجمع لوجود عالَم الإنس، وعالَم الجن، وعالَم البهائم، وعالَم

<<  <   >  >>