للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ} هنا تخصيص بعد تخصيص، تخصيص بالنِّسبة لجانب الشاطئ أنه الأيمن، وَفِيهِ أَيْضًا تخصيصٌ ثانٍ بالنِّسبة للشاطئ، وَهُوَ أَنَّهُ مِنَ الشجرة: نُودِيَ مِنَ الشجرة، أي: مِن ناحيتها، وليس مَعْنَاهُ أَنَّ النِّدَاءَ مِنَ الشَّجَرَةِ.

والمعتزلة يقولون: إِنَّ النداء مِنَ الشَّجَرَةِ، وإنَّ الشجرة خُلِق فيها صوتٌ سمعه مُوسَى عَلَى أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ.

وَلَكِنَّ المُرَادَ مِنَ الشَّجَرَةِ، أي: مِن ناحيتها، وجِهَتِهَا، بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي: {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ تَقُولَه الشجرة، ولو قالته الشجرة لَقَالَ لَهَا موسى: كذبتِ. ولكن الَّذِي يَقُولُ ذَلِكَ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [لِنبَاتِهَا فِيهِ، وَهِيَ شَجَرَةٌ عُنَّابٍ، أَوْ عُلَّيْقٍ، أَوْ عَوْسَجٍ، (أَنْ) مُفَسِّرَةٌ لَا مُخَفَّفَةٌ {يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}]: [أَوْ] هَذِهِ لتنويع الخلاف، وهذا أَمْر لَا يَهُمُّنا.

المهم: أنها شجرة نُودِي منها عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

و(أَنْ) مُفَسِّرة، والمُفَسِّرة هِيَ الَّتِي بمعنى (أَيْ)، وَهِيَ الَّتِي تأتي مُفَسِّرةً لمِا فِيهِ مَعْنَى الْقَوْلِ دُونَ حُروفه، فالنداء -مثلًا- فِيهِ مَعْنَى القول، أما حروفُ القول فهي كلمة (قال) ومُشْتَقَّاتُها، قَالَ تعالى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} [المؤمنون: ٢٧]، (أَنْ) هَذِهِ مُفَسِّرة؛ لأنَّها أتت لمِا فِيهِ مَعْنَى القول، وهو الإيحاء دُون حروف القول، ولهذا سمَّيناها هنا مُفَسِّرة؛ لأنَّها فَسَّرَت النداء بالقول، إِذْ إِنَّ مفعولها قوله: {يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، وَهُوَ مَفْعُولٌ قول، ولهذا يقول: إنها مُفَسِّرة؛ لأنَّها فَسَّرَت مَعْنَى الْفِعْلِ المتضمِّن القولَ دون حروفِ القولِ.

<<  <   >  >>