للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَعَلَى هَذَا يكون مُوسَى لَمْ يَسْمَعْ كَلَامَ اللَّهِ، وإنما سَمِعَ مَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ تعالى.

وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا المعتزلة والجَهميَّة، وقالوا: إنَّ كَلَامَ اللَّهِ مخلوقٌ، يَخْلُق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أصواتًا فِيمَا أَرَادَ؛ إِمَّا فِي جبريل، وَإِمَّا فِي الشَّجَرَةِ، وَإِمَّا فِي الْأَرْضِ، فتُسمَع هَذِهِ الأصواتُ، فيُنسب الْكَلَامُ إِلَى اللَّهِ مِنْ بَابِ التَّشبِيه، والخَلق، والتكوين.

وعندما نُمَحِّص الأمر نجد أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الأشاعرة والمعتزلة فِي هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مُتَّفِقُونَ أَنَّ مَا يُسْمَع فهو مخلوق، وَلَيْسَ هُوَ كَلَامَ اللَّهِ، وفي الْحَقِيقَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَ، لكن الأشاعرة تلطَّفوا فِي الْأَمْرِ، وقالوا: إِنَّ الْكَلَامَ معنًى قائمٌ بالنفس يُعَبَّرُ عَنْهُ بالأصواتِ، لا يُعبِّر المتكلم، يَخْلُقُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.

ولا ريب أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ والجماعة هو المذهب الصحيح الموافقُ للنقل والعقل، يقولون: إنَّ كَلَامَ اللَّهِ يُسْمَعُ مِنَ اللَّهِ، وإنَّ كَلَامَ اللَّهِ بحرفٍ وصوت، أما الحرف فَهُوَ مَا يَتكلَّمُ بِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، مما يستعمله النَّاسُ فِي نُطقهم.

وأما الصوت فَإِنَّهُ لَا يُشْبِهُ أصواتَ المخلوقين، وكيف يُشبه أصواتَ المخلوقين وهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى "إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالوَحْي سَمِعَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ شيْئًا، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ، وَسَكَنَ الصَّوْتُ، عَرَفُوا أَنَّهُ الحَقُّ وَنَادَوْا {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ} [سبأ: ٢٣] " (١).

يقول المُفَسِّرُ: [{مِنَ الشَّجَرَةِ} بَدَلٌ مِنْ شَاطِئ؛ لِإِعَادَةِ الْجَارِّ لِنَبَاتِهَا فِيهِ].


(١) أخرجه البخاري تعليقًا: كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: ٢٣]، موقوفًا على ابن مسعود.

<<  <   >  >>