للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بنون التوكيد، وَهُوَ فِي مَحِلٍّ جزم.

والخطاب هنا للرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولكن كيف يُنهَى الرَّسُول -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يَكُونَ {ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ}؟

بَعْضُ المُفَسِّرِينَ يقول: إِنَّ هَذَا الخطَابَ للرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَالمُرَادُ بِهِ الْأُمَّةُ، وَلَكِنَّهُ عَلَى حَدِّ قَوْلِ الشَّاعِرِ (١):

. . . . . . . . . . . . . ... إِيَّاكِ أَعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَةُ

وَقَالَ بَعْضُهُم: بل الخطابُ للرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وقالوا: النَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الوقوع.

فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الوقوع، لكن هَلْ يَلْزَمُ مِنْهُ جواز الوقوع، بمعنى: أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- {ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ}؟

نقول له: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مستحيلًا، فالنهي عن المستحيل لَهْوٌ.

وَالجوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ:

الوجه الأول: إِمَّا أَنْ نَقُولَ: إنَّ الرَّسُولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَوْلَا تثبيت اللَّهِ لَهُ لَرَكَن إليهم، كَمَا فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (٧٤) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [الإسراء: ٧٤ - ٧٥].

الوجه الثاني: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قد يَفْعَلُ الشَّيْءَ مِمَّا هُوَ مظاهرة للكافرين، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُظاهرة، فنهاه اللَّهُ تعالى عَنْهَا؛ لِأَجْلِ أَنْ يَكُونَ


(١) هذا عجُز بيت قاله سَهْل بن مالك الفَزَاري، كما في مجمع الأمثال للميداني (١/ ٤٩)، وصدره:
أصْبَحَ يَهْوَى حُرَّةً مِعْطَارَه

<<  <   >  >>