للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عِنْدَهُ أَمَلٌ في الحصول عليه، حَتَّى يَقَعَ فِي أسبابه ويُحَصِّلَه، أَمَّا شخص لَمْ يَكُنْ يرجو ذَلِكَ إِطْلَاقًا، ولم يَخْطُرْ بِبَالِهِ أَنْ يُلقى إِلَيْهِ الْكِتَابُ؛ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِن عنده، بَلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

وقوله: {الْكِتَابُ} نائبُ فاعِل، وَهُوَ الْقُرْآنُ، وكتاب بمعنى مكتوب: ووُصف الْقُرْآنُ بِهِ؛ لأنه مَكْتُوبٌ فِي اللَّوْحِ المَحْفُوظِ، مكتوب بِأَيْدِي المَلَائِكَةِ، ومكتوب بأيدي الناس، فهو مكتوب، وَهُوَ فِي أَيْدِي الملائكة، ومكتوب أَيْضًا، وَهُوَ فِي أَيْدِي النَّاسِ، ودليلُه فِي سُورَةِ عبس: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} [عبس: ١٣ - ١٥].

قَوْلُه تعالى: {إِلَّا رَحْمَة} قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [لَكِنْ أُلقِيَ إِلَيْكَ] إشارةً مِنْهُ إِلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هنا منقطع، وليس متصلًا؛ لأن المتصل أَنْ يَكُونَ المستثنى مِنْ جِنْسِ المُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّحمَة لَيْسَتْ هِيَ الرجاء، وَلَيْسَتْ مِنْهُ، فالرَّسُول -صلى اللَّه عليه وسلم- مَا كَانَ يَرْجُو ذلك، وَلَكِنَّ الْأَمْرَ حصل لمجرد الرَّحمَة.

وَأَنَا أَقُول: إِنَّ {إِلَّا} أداة استِثْناء، والاستِثْناء هنا منقطع، {رَحْمَةً} مَنْصُوبٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ له، يعني: مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، أي: ولكن أُنزِل لأجل الرَّحمَة، والرَّحمَة هنا لِلرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ولغيره، قَالَ اللَّهُ تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: ١٠٧].

قَوْلُه تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {مِنْ رَبِّكَ} هنا ذكر الرُّبوبية الخاصة؛ لِأَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بالرِّسالَة رحمة خاصَّة، وأنه أُلْقِي إِلَيْك الْكِتَابَ: {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا}.

قوله تعالى: {فَلَا تَكُونَنّ} لا ناهية، والفِعل بعدها مَبْنِيٌّ عَلَى الفتح؛ لاتصاله

<<  <   >  >>