للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جُملة {تَهْتَزُّ} فِي مَوْضِعِ نَصْب عَلَى الحالِ، وليست مفعولًا ثانيًا؛ لأن (رأى) البَصَرِيَّة لا تنصب إلا مفعولًا واحدًا.

قَوْلُهُ تعالى: {كَأَنَّهَا جَانٌّ} هي الحيَّة الصغيرة، وتشبيهُ العَصا بالجانِّ لسُرعة حركتها، ولكن المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ فَسَّر الجانَّ بأنها الحيَّة الصغيرة، وَاللَّهُ تعالى يَقُولُ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} [الأعراف: ١٠٧]، والثعبان هو الذَّكَرُ مِنَ الحيَّات الكبير، ويجمع بينهما بأنه أَوَّلَ مَا ألقاها صارت كالجانِّ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَضَخَّمَت، حَتَّى صَارَتْ ثُعبانًا مُبِينًا عند السَّحَرة.

قوله تعالى: {وَلَّى مُدْبِرًا} أي: هاربًا منها، وهذه الجُملة جوابُ {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ}، و {مُدْبِرًا} حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ: {وَلَّى}، ويُسَمُّونها حالًا مُؤَكِّدة؛ لأن التَّوَلِّيَ معناه الإدبار، فهي حالٌ مُؤَكِّدَة لعامِلِها؛ إِذْ إِنَّ مَعْنَى الإدبار مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ: {وَلَّى}، ولكنها جاءت للتأكيد، وقوله: {مُدْبِرًا} يعني: ولَّاها دُبرَه، وَلِهَذَا قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [هَارِبًا]؛ لأن الهارب ينصرف عَكْسَ اتجاهِه، فأنت أولًا تنصرف عَنِ الشَّيْءِ فتُسمَّى مُوَلِّيًا، ثم تُسَمَّى هاربًا إذا انْصَرَفْتَ باتجاهٍ مُعَاكِس.

قوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَمْ يُعَقِّبْ} يقول المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [أَيْ: يَرْجِعُ، فَنُودِيَ: {يَامُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ} ولهذا يَنْبَغِي أَنْ نَقِفَ عَلَى قَوْلِهِ تعالى: {وَلَمْ يُعَقِّبْ}؛ لِأَنَّه لَوْ وَصَلْنَا {وَلَمْ يُعَقِّبْ} بقوله: {يَامُوسَى} لظنَّ الظانُّ أَنَّ الْكَلَامَ واحدٌ، ولكن الكلام انفصل، فقال: {يَامُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ}.

قوله تعالى: {أَقْبِلْ} مُقابل التولي، و {وَلَا تَخَفْ} مُقابل الهَرَب؛ لأن الهارب يكون خائفًا، ثم طمأنه بقوله: {إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ}؛ تأكيدًا لقوله: {وَلَا تَخَفْ}؛ لأن الآمِن لَا يَخَافُ، وإنما يخاف مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ أمنٌ، وهنا قال: {إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ}

<<  <   >  >>