للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} أمَّا مَن اتَّبَع هواه بِنَاء عَلَى هدًى مِن اللَّه، فهذا طَيِّب، أَنْ يَكونَ هواه تَبَعًا لمِا جَاءَ به الحَقُّ، وَقَد ذَكَرنَا لكم حديثًا مَرْوِيًّا عَن النَّبيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّي يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ" (١).

فالحاصِلُ: أن الهوى المذموم هُوَ الَّذي لَيسَ عَلَى هُدًى.

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أنَّ الظَّالمِ قد عَرَّض نفسه لحرمانه مِن الهُدى، أو إِنْ شئتَ فقل: إِنَّ الظُّلمَ سبب لحرمان الظَّالمِ مِن الهُدى؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: فيها رَدٌّ على القَدَرِيَّة الذين يُنكرون قَدَرَ اللَّهِ بالنِّسبة للأفعال، ورَدٌّ على الجَبْرِيَّة الجَهْمِيَّة الَّذينَ يَقولُونَ بعكس ذلك، والجهميةُ مِن مذهبهم الجَبْرُ، وفيهم ثلاثُ جِيمَاتٍ، كَمَا قَالَ ابن القيم في النُونِيَّة (٢):

جَبْرٌ وَإِرْجَاءٌ وَجِيمُ تَجَهُّمٍ ... فَتَأَمَّلِ المَجْمُوعَ فِي المِيزَانِ

فهم جَبْرِيَّةٌ مُرجِئَةٌ جَهْمِيَّة.

الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: أنَّ مَن تَحَرَّى العَدْلَ فَإنَّهُ قَد تَعَرَّض للهداية؛ لأنَّ الظُّلم ضِدُّه العدل، وانتفاء الهداية بِوَصْفِ الظُّلم يقتضي ثُبوتَ الهداية بوصف العدل، فمن تحرّى العَدْلَ، فإنه يُوَفَّق للهداية، فالعدلُ سببٌ للهداية، وهكذا كُلُّ مَن تحَرَّى الخيرَ -لكن عسى اللَّه أن يُوَفِّقَهُ لِتَحَرِّيه- فإنه يُوَفَّق له إذَا كَانَت النية صادقة، والعزم أكيدًا.

* * *


(١) أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (١/ ١٢، رقم ١٥).
(٢) نونية ابن القيم (ص ١٦٦).

<<  <   >  >>