للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ} العُقبى في الدّنيَا واضحة؛ إذا فتح المسلمون البلاد صاروا هُم الَّذينَ وَرِثُوها، وهُم كَذَلكَ في الآخرَة في الجنَّة، لأَنَّ المسلمَ يَكون في الجنَّة وارثًا لمكان الكافِر منه، فَإنَّ الكَافِرَ يرى مقعدَه في الجَنَّة، وفي قبره لَو آمَن، ولكن المؤمنون يرثون مقاعِدَ الكافرين في الجَنَّة، وتكون عُقبى لهم أَيْضًا بالدَّار الآخرة.

قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [أَيْ: هُوَ أَنَا فِي الشِّقَّيْنِ]، والشِّقَّان هما قوله: {أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ}، والشِّقُّ الثَّاني: {مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ}، وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [أَيْ: هُوَ أَنَا]، هَذَا هُوَ الحَقّ، أَنَّ الَّذي جَاءَ بالهدى مِن عند اللَّه موسى، وأنه ستكون له العاقبة، ولكنَّ موسى خاطَبَ فِرعونَ بهَذَا الخطَاب المتردد بَينَ كَون الهدى عندَه، أَو عند فِرْعَونَ، والعاقبة لَهُ دونَ فِرْعَونَ عَلَى سَبيل التَّنَزُّل، كَمَا في قَوْلِهِ تعالى: {اللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: ٥٩]، وقوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سبأ: ٢٤].

لكنه هنا لَم يُصَرّح بأَنْ قَالَ: أَنَا قَد جئتُ بالهدى، وأنا العاقبة؛ لأَنَّ هَذِهِ هيَ الدعوة التي جَاءَ بهَا، وأقامَها على فِرْعَون، لكنه ساق الكلام مَساقَ الأمر المتردد بَينَه وَبَينَ فرعَون مِن بَاب التَّنَرّل معه.

قال: [فَأَنَا محُقٌّ فِيمَا جِئْتُ بِهِ]، هذا مُفَرَّع عَلَى قَوله: [هُوَ أَنَا].

قوله تعالى: {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} الكافِرُون، {إِنَّهُ} الضَّمير هنا ضمير الشأن؛ لأَنَّه لَم يَسبق له مرجع، ولم يَلحَقه مَا يَصلح أَنْ يَكونَ مرجعًا له، وَعَلَى هَذَا فيكون ضميرَ الشأن، أي: إنَّ الشأن والحال {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}، وقوله: {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} أي: إن كنت أنا ظالمًا بدعوى الرِّسالَة فَأَنَا لَا أُفلح، وإن كنتَ ظالمًا بِرَدِّكَ الحقَّ فَأَنتَ لَا تُفلح؛ لأنَّه مفرَّع عَلَى مَا قَبلَه {رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ

<<  <   >  >>