وقوله: {مِنْ عِنْدِهِ} أَضَافَه إلَى اللَّه؛ لأن الوحيَ مِنَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَلَيسَ مِن غَيره، ولا أحدَ يأخذ هُدًى إلَّا مِن عند اللَّه.
قوله تعالى: {وَمَنْ تَكُونُ} قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [بِالفَوْقَانِيَّةِ وَالتَّحْتَانِيَّةِ] (١) فهُما قراءتان؛ أمَّا القِراءَة بالتاء {تَكُونُ} فالأمر فيهَا ظَاهر؛ لأن عاقبة الدَّار مؤنث، والفاعل إذَا كَانَ مؤنثًا يُؤَنَّث له الفِعل، وأمَّا بالياء "يَكُونُ" إنَّمَا جَازَ التذكير مع تأنيث الفاعل؛ لأن التأنيث مَجازِيٌّ؛ والمؤنث المجازي كُلُّ مَا لَيسَ لَهُ فَرْجٌ فهو مؤنثٌ مَجازي.
قوله تعالى: {تَكُونُ} كان هنا ناقصة، وخبرُها مُقَدَّم، وَهُوَ قَوله: {لَهُ} واسمُها مُؤَخَّر، وهو: {عَاقِبَةُ الدَّارِ}.
قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [أَي: العَاقِبَةُ المَحْمُودَةُ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ]، {عَاقِبَةُ الدَّارِ} أي: مَن يَعْقُب غَيرَه في الدَّار، والمُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ حَمَلَهَا عَلَى أَنَّ المرَادَ بالدَّار هنا الدَّارُ الآخِرَة، وَلَكن يَنبَغي أَن نَقولَ: إنها عَامَّة في الدَّار الآخِرَة، والدَّار الدُّنيا؛ لأن عِبَادَ اللَّه الصَّالحينَ هُم الَّذينَ لَهم العاقبةُ في الدُّنيَا وَالآخرَة، وَقَد كَانَت العاقبة لموسى وقومه حَتَّى في الدَّار الدُّنيا بالنِّسبة لفِرْعَون، قَالَ اللَّهُ تعالى: {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الشعراء: ٥٧]، وَقَالَ تعالى: {وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (٢٧) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ} [الدخان: ٢٦ - ٢٨]، وَفي سورَة الشّعَرَاء {وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: ٥٩].
فالأَولى إذن أَن نَجعَلَ الدَّارَ هنا عَامَّه في الدَّار الدُّنيا، ودار الآخرة.
(١) السبعة في القراءات، لابن مجاهد (ص ٤٩٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute