للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُعَاقِبهُمْ]. وهذا يُسمونه تأويلًا، ونحن نُسميه تحريفًا؛ لِأَنَّ الآيَةَ لَيْسَ مَعْنَاهَا أَنَّ اللَّهَ يُعاقب المفسدين، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُحِبُّهم، أي: إنها تنتفي عنهم محبة اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهي الصِّفَة الثابتة لَهُ حَقِيقَةً عَلَى وَجْهِ الكمال، لَكِنْ إِذَا كَانَ لَا يُحبهم، فلا يُثيبُهم.

وَإِذَا قُلْنَا: إِنَّ نَفْيَ المحبة إثباتٌ للكراهة لَزِم منه المعاقبة، فتفسير المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ لمخبته هنا باللازم، وهو المعاقبة، خطأٌ، هذا يعتبر تحريفًا لِكَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فهناك فرق بَيِّن بَيْنَ نفي المحبة والمعاقبة، كَمَا أَنَّ هُنَاكَ فَرَقًا بَيْنَ المحبة والإثابة، والمُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ يحمل الحبةَ على الإثابة، وَمَا هِيَ عَلَى الإثابة.

فالحاصِلُ: أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مِنَ الأشاعرة وغيرهم، فَإِذَا كَانَتِ الصِّفَةُ لَا تَدْخُلُ عقولهم، قالوا بالتأويل.

فَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُ الإسلام عنهم القاعدةَ فِي إِثْبَاتِ الصفات، حَيْثُ قَالَ: "وكان ابن كُلَّاب وأتباعه يقولون: إِنَّ العُلُوَّ على المخلوقاتِ صِفَةٌ عقلية تُعلَم بالعقل، وأمَّا استواؤه على العرش، فهو مِن الصفات السمعية الخبرية التي لا تُعلم إلا بالخَبر، وكذلك الأشعري يُثبت الصفات بالشرع تارَةً، وبالعقل أخرى، ولهذا يُثبت العُلُوَّ ونحوه مما تَنْفِيه المعتزلة، وثَبَت الاستواء على العرش، ويرد على مَن تأوله بالاستيلاء ونحوه مما لا يختص بالعرش، بخلاف أتباع صاحب الإرشاد، فإنهم سلكوا طريقة المعتزلة، فلم يُثبتوا الصفاتِ إلا بالعقل، وكان الأشعري وأئمة أصحابه يقولون: إنهم يحتجون بالعقل لما عُرِف ثُبوتُه بالسمع، فالشرع هو الذي يُعتَمد عليه في أصول الدِّين، والعقلُ عاضِدٌ له مُعاوِن.

فصار هؤُلاءِ يسلكون ما يَسلكُه مَا سَلكَه مِن أهلُ الكلام المعتزلة ونحوهم فيقولون: إن الشرع لا يُعتَمد عليه فيما وُصِف اللَّه به، وما لا يُوصَف، وإنما يعتمد في

<<  <   >  >>