للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى مُحَمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَتَكُون جُمْلَةُ: "كَمَا صَلَّيْتَ". للتَّعلِيل، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ للتَّوَسُّل، يعني: إننا نَتَوَسَّلُ إليك بما فعلتُ مِنْ قَبْلُ فِي إِبْرَاهِيمَ وآلِه، أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ فِي مُحَمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَآلِ مُحَمَّدٍ.

قَوله: {كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْهِ بِالمَالِ العظيمِ، الذي مفاتِحُه تَنُوءُ بالعصبة، وقوله: {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ} الفساد بالبَغي؛ حَيْثُ قَالَ تعالى: {فَبَغَى عَلَيْهِمْ}، فلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ بالبغي، كَذَلِكَ أَيْضًا إِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ يعمل بِمَالِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَيَكُونُ هَذَا مِنَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ؛ أَنَّ مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، وَلَيْسَ عِنْدَهُ إيمان؛ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ مِنْ مَالِهِ وَسِيلَةً إِلَى الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وقوله: {الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ} أي: الْفَسَاد فِي الْأَرْضِ بِالمَعَاصِي؛ لأن المَعَاصِيَ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ سَبَبُ فسادِ الأرض، قَالَ تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} [الروم: ٤١].

ولهذا مَا مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ فِي الْأَرْضِ مِن فِتنٍ، وحُروبٍ، وقِتالٍ، وجَدْبٍ، وغيره، إلا بسبب المعاصي، قَالَ تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} [فاطر: ٤٥].

فهذا الهَرْجُ الَّذِي كَثُرَ فِي هَذَا العصر، كُلُّ ذَلِكَ بسبب المَعَاصِي الَّتِي تُفعل، فهي عقوبة للعُصاة الذين أُصيبوا بهذه، وإنذارٌ للآخَرين؟ فإنك قَدْ تَرَى البلاد الآمنةَ المطمئنةَ التي يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رغدًا مِنْ كُلِّ مَكَان، ويَجلب النَّاسُ إِلَيْهَا مِنْ كُلِّ مَكَان، ثم تفاجأ بأنها دُمِّرَت مساكِنُها، وبُيُوتُها، وأَمْنُها، ورخاؤها؛ بسبب المعاصي.

قَوْلُه تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}، قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [بِمَعْنَى أَنَّهُ

<<  <   >  >>