لقوله:{مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى}، فليس عند أعداء الرُّسُل إلَّا أَنَّهم يُلَقِّبُونهم بألقاب: هذا ساحر، هذا مجنون، هذا شاعر، وَمَا أَشبَهَ ذَلكَ.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: هي فائدةٌ مُتَفَرِّعة، وَهيَ أَنَّ أعداء الرُّسل سوف يُلَقِّبُون مَن يَدْعون بدعوة الرُّسُل بِمِثْل هَذِهِ الألقاب، فيقولون عنهم: رجعيُّون، متأخرون، مُتَزَمِّتُون، متشددون، متعصبون، وَمَا أَشبَهَ ذَلكَ، أو ربما يكون أَبلَغ مِن هَذَا فيقولون: ضالُّون، {وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ}[المطففين: ٣٢].
فدعوة الحَقّ لَها أعداء، هؤُلاءِ الأعداء الذين قابلوا الرُّسلَ بما قابلوهم، والرُّسل هُم الأَقوَى في القيادة، سيُقابلون مَن بَعدَهم بِمِثْل مَا قابلوهم به، أَو أَكثَر.
إذن: فلنُطَمْئِنْ أنفُسَنا على أَنَّنَا إذَا دعونا إلى اللَّه عَلَى حَقٍّ، وعلى بَصيرة، فسيكون أمامنا مَن يَقول لنا مِثلما قالوا للرُّسل، فَمَا دَامَت الدعوة واحدة فَعَدُوُّها واحد، وَمَا قيلَ في الأَوَّل يُقَالُ في الثَّاني.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أَنَّه لَا يَنبَغي للمَرء أَنْ يُثْنِيَه عَن قَول الحَقّ رَدُّه، أو وَصْفُه هو بالعيوب؛ لأن موسَى لَم يتوقف عن الدعوة حينما قَالوا لَهُ هَذَا، بل استمر في الدَّعوَة، وبه قَامَت الحُجَّة، مَعَ أَنَّه هُدِّد بالسَّجْن، ولكنه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَم يُبَالِ بها.