وقوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{بِغَيْرِ الْحَقِّ} بيانٌ للواقِع؛ لأن الاستِكْبارَ كُلَّه مخُالف للحق، وَزَيادَة في تقبيحِه، فالاستِكْبار قبيحٌ، فإذا وُصِف بغَير الحَقّ صار أقبحَ وأقبحَ، ونظير هَذَا قَوله تعالى:{وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ}[البقرة: ٦١].
وَمنَ المَعروف أَن قتلَ الأَنبيَاء لَا يمكن أَنْ يَكونَ بِحَقٍّ، لكن ذَكَرَ ذَلكَ للمبَالَغَة في تقبيحه، فالواقع أَنَّه لَيسَ بحَقٍّ، يَقول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ:{بِغَيْرِ الْحَقِّ} والحق في الأَصل هُوَ الشَّيْء الثابت، فَإذَا أُضيفَ إلَى الكَلَام، فَالمرَاد به الصَّدَقُ، وإذا أضيفَ إلَى الأحكام، فالمرَادُ به العدل، كَقَوله تعالى:{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا}[الأنعام: ١١٥].
إذن: انتفى عَن هَؤلَاء باستِكْبارِهم الخقُّ مِن وَجهَين: حيث اتخذوا كذبًا وزُورا بما استكبروا به، وغير الحق.
قوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ} قَد يَكون المرَاد بالظن هنا الرُّجحان، أو التقِين، فهم مُتَيَقِّنُون مما جحدوا به، أَمْ أنهم ترَجَّح عندَهم أَنَّهم راجعون.
كلَاهمَا في الواقع يُنافي قَولَه تعالى:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}[النمل: ١٤]؛ لأَنَّ مَن استيقن شَيئًا لَا يظن خلافَه، فمَن استقين أَنَّ مَا جَاءَ به موسى حقٌّ، فلا يَظنُّ أَنَّ خِلَافَه هُوَ الحَقُّ؛ لأَنَّ مَن استيقن الشَّيْء آمَنَ به، لكن يبدو لي أَنَّ الظنَّ هنا إمَّا بمعنى الدعوى، يعني: ادَّعَوا أَنَّهم إلَينَا لَا يُرْجَعُون، أَو أَن المرَاد بهِ الظن، أَلَم يستفسر عَن الحَقّ الَّذي جيءَ به مِن عند اللَّه، وَهُوَ فعله هنا فعلَ الظانّ.
قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ} فيها قراءتان، بالبناء للفاعِل "لَا يَرجعونَ"، وبالبناء للمَفعول {لَا يُرْجَعُونَ}(١)، وأركانُ القِراءَة موجودة هنا،