للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى}؛ لأنَّ إهلاك الأُمَم السَّابقَة مضَى وانقضَى، ولا إهلاكَ بَعدَ نُزول التَّوراة.

والحقيقة أنَّ مَن تأمَّل التاريخَ وجَدَ أَنَّه لم تُهْلَك أُمة بَعدَ نزول التَّوراة، ما هلكت أُمة، لكن هل قَولُه تعالى: {مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى} يشير إلَى هَذَا؟ هَذَا هُوَ محل النظر والمناقشة.

قوله تعالى: {بَصَائِرَ لِلنَّاسِ} حالٌ مِن قَولِه تعالى: {الْكِتَابَ}، والبصائر: جمع بَصِيرة، وهي نُور القلب، كما أنَّ بَصر وأبصار نُور العَين، فنُور القَلب يسمى بَصِيرة وبَصَائِرَ، ونُور العَيْن يُسَمَّى بَصَرًا وأبصَارًا، قَالَ تعالى: {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ} [الأحقاف: ٢٦].

وقوله: {لِلْنَاسِ}: (ال) هنا للعَهد الذهني، وليست للعُموم؛ لأن التَّوراة لم تنزل إلا لقوم موسى فقط، كَمَا قَالَ النَّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً" (١).

وقوله: {لِلنَّاسِ} يُخرج الجنَّ مِن حيث التكليفُ والإلزامُ؛ لأَنَّه لَم يُكَلَّفْ أحدٌ برسالة أَحدٍ مِن الرُّسل مِن الجن، لكن مِن حيث العَمَلُ يمكن أن يستبصر بها الجن، كما قالوا: {قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأحقاف: ٣٠]؛ فإن الظَّاهر أَنَّهم كَانوا قد انتفعوا بما أُنزل عَلَى موسَى كما انتفعوا بالقُرْآن.

قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [جَمْعُ بَصِيرَةٍ، وَهُوَ نُورُ القَلْبِ، أَيْ: أنوَارًا لِلْقُلُوبِ].


(١) أخرجه البخاري: كتاب التيمم، رقم (٣٣٥)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، رقم (٥٢١).

<<  <   >  >>