للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واعلم أَنَّ هنَاكَ فَرقًا بين إضافَة الفِعْل إلى اليد، وإضَافَةِ الفِعل إلى النَّفس بواسطة اليَدِ، فمثلًا: قَولُه تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا} [يس: ٧١]، أي: مما عَمِلْنَاه، أي: مما خَلَقْنَاه، وَلَيسَ المرَادُ أَنَّ اللَّهَ خَلَق الأنعامَ بِيَدِهِ، وَأَمَّا قَوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥]، فهنا أَضَافَ الفِعل إلَى نَفسه، ثم جَعَل اليدَ واسطةً، فيدُلُّ عَلَى أَنَّ آدم خُلِق بِيَد اللَّه.

كذلك -مثلًا- لو قلتَ: بما عَمِلْتَ بِيَدِك، أو بما قَدَّمَت يداك. فهنا نقول: الإِنْسَان عَمِل الشَّيْء نَفْسَه، لكن بِيَدِه.

أمَّا إذا قلتَ: بما عَمِلَتْ يَدَاك، أَو بما قَدَّمَت يداك، فالمراد بما عَمِلْتَ، سواء عَمِلْتَه بواسطة اليَد، أو بالعَين، أو بالرِّجل، أو باللسان، المهم أنه يضاف إليك.

فقولُه: {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} ليس كقولِه: بما قَدَّمُوا بأيديهم؛ لأنَّ الأول المراد، سَوَاء كَانَ باليد، أو بالرِّجل، أو بالعَيْنِ، أو بالأُذُن، أو باللسان، وقوله: {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} مِنَ الكُفر وغيره.

صحيح أنَّ المصائِبَ ما تكونُ إلا بالمعاصِي، قَالَ تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: ٣٠]، وهنا قال: {وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ} بسبب كُفرهم، {فَيَقُولُوا} الفاءُ حرفُ عطف، و (يَقولوا) معطوف على {تُصِيبَهُمْ} أي: فأنْ يقولوا متى: بعد المصيبة، {فَيَقُولُوا} مُحْتَجِّينَ عَلَى اللَّه: {رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ} يعني: هلَّا أرسلتَ إلينا رسولَّا قَبْلَ أَنْ تُصِيبَنا بالعقوبة {فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، وهي حُجَّة لهم، لو أُصِيبوا بغير أَنْ يُرسَلَ إلَيْهِم رسولٌ لكان ذلك حُجَّة؛ لأَنَّ اللَّهَ تعالى يَقول: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: ١٦٥]، ويقول: {وَمَا كُنَّا

<<  <   >  >>