{فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا}، والعِنْدِيَّة تقتضي القُربَ، وأن يكون ذَلكَ مِنَ اللَّه، وَهَذَا لَا يُتصور أنه محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، بَل هُوَ الحَقّ الذي جاء به، كَمَا أَنَّ مِثل هَذِهِ الآيَة {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا} في جَميع مواضع القُرْآن هي مطَّردة أَنَّ المرَادَ به الوحي الذي نزل عَلَى محَمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم-.
ولهذا يكون قوله:{لَوْلَا أُوتِيَ} أي: محمدٌ الَّذي جَاءَ بهذا الحق، فمعنى الآية هنا ظاهر جدًّا، ولا تَكَلُّفَ فيه.
وقد يحتجُّ علينا مَن يقول: إِنَّ الضَّمير في قَوْلِهِ {لَوْلَا أُوتِيَ} يؤيد أَنَّ المرَادَ بالحق هو محمد.
ولكننا نُجيبه قائلين: لَا حَاجَةَ إلَى ذَلكَ مَا دَامَ أن الحقَّ جاء، والذي جَاءَ به هُوَ محَمَّد، فيكون معلومًا أنَّ قولَه:{لَوْلَا أُوتِيَ} يعني: محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- هُوَ الَّذي جَاءَ بالحقّ، وليس محمد هُوَ الحَقَّ، ولهذا ليس (الحَقُّ) مِن أَسمَاء الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فهو -صلى اللَّه عليه وسلم- صادق فيما جَاءَ به مِنَ النبوة، ولكنَّه جاء بالحق.
قوله تعالى:{قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى}، الضَّمير في {قَالُوا} يَعود عَلَى قرَيش، و {لَوْلَا} هنا تحريضيَّةٌ، وليست شَرطيَّةً، وهي بمعنى: هلَّا.
وقَولُه تعالى:{أُوتِيَ} أي: أُعطي، {مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} يعني: مِن الآيات، مِثلَ ما أُعطي موسى مِنَ الآيات.
وهذا الجواب فيه إشكالٌ إذا جعلْنَاه عائدًا إلى قُرَيْشٍ؛ لأن قريشًا -كَمَا هُوَ معلوم- قوم أُمِّيُّون، لَا يَعلَمونَ عن الرُّسُل شيئًا، فكيف يعارضون بقصة موسى؟ وقد أجاب المُفَسِّرون عن ذلك، بأنَّ قريشًا كانت عندَما بُعث الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ