للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التَّوراة والقُرْآن، وأنا ألتزم باتباعه، فإذا لم يأتوا، فمعناه أَلْزِمْهُم أن يتبعوا التَّوراة والقُرْآن.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: إفحام الخَصم بالتحدِّي، ولو أنَّنا قرأنا آخِرَ سُورة الطور لوجدنا فيها شيئًا غريبًا مِن المناظرة، مِن قَوْلِه تعالى: {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ} [الطور: ٢٩]، إلى قوله: {يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} [الطور: ٤٥]، تجدون آدابًا كثيرة مِن المناظرة، فقَدْ تَدَرَّجَ اللَّه معهم في الحُجَج، فقال: {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} [الطور: ٣٨]، إن كَانَ الأَمر كذلك {فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [الطور: ٣٨]، {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الطور: ٣٣]، فَإن كَانَ الأَمر كذلك {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور: ٣٤]، فاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في ختام المناظرة يجعل الخصم مُفْحَمًا بتحدِّيه بمَا لَا يستطيع.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ التَّوراةَ والقُرْآنَ مِن عند اللَّه، لكن القُرْآن نَزَل وَحْيًا، والتَّوراة نزلت كتَابَةً، كَتبَها اللَّه في ألواحٍ ألقاها إلى موسى.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّه لَا يَلزَم الإِنْسَان الانتقال عَمَّا كَانَ عَلَيه إلَى غَيرِهِ إلَّا إذَا كَانَ أهدَى منه.

فأنا -مثلًا- لا يلزمُني الانتقالُ مِن مذْهَب الحنابِلَة إلى مذْهَب الشَّافعيَّة، حتى أري أنه أَصْوَبُ؛ لأَنَّه قَالَ: ما يجب الاتباع إلَّا إذَا كَانَ ما جاءوا به أهدى منه، أَمَّا إذَا كَانَ مساويًا، فأنتم لا تُلزمونني، وأنا لا أُلْزِمُكم، إذَا كَانَ مساويًا، إنما الإلزام حينما يَكونُ مَا جاء به الخَصم أهدى مما أنا عليه، وأما إذَا كَانَ مَا في غَيْرِهِ أدنى؛ فإنه مِن بَاب أَوْلَى لا يلزم.

<<  <   >  >>