للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا مِثال أُوَضِّحُ به الأمر، قَالَ تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: ٦]، فالعَين يُشرب منها، أما الذي يُشْرَبُ به فهو الإناء.

قال بعضُ النَّحويين في هَذَا الأَمر: يمكن التجوُّزُ بالحرف، وإنَّ (الباء) بمعنى (مِنْ)، فتكون (مِنْ) تَبْعِيضِيَّة.

وَقَالَ بَعض النحويين: بل التَّجَوُّز في الفعل يَشْرَبُ، وإنه ضُمِّنَ معنى: رَوِيَ يَرْويَ، فَيَكون المَعنَى: يَرْويَ بها إذا شرب منها.

وَهَذَا في الحَقيقَة أصحُّهما، وهو مذهب البصريين.

فيكون قَولُه تعالى: {وَصَّلْنَا} أي: إلَيْهِم ببيان.

قوله تعالى: {الْقَوْلَ} يقول المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [هُوَ القُرْآنُ]، ولعله أَعَمُّ مما قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ، فالمراد بـ {الْقَوْلَ} أي: قولنا، فَاللَّهُ تعالى مَا يزال يُنَزِّل لعباده مِن قَولِه وَوَحْيِه ما تَصْلُح به أُمُورُهم، حتى وَصَلَت الغايةُ إلى محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- بالقُرْآن.

فَيَكون المَعنَى: أنَّ اللَّهَ تعالى مَا ترَكَهُم هكذا، بل ما زالت أقوالُه تصل إلَى الخَلق، وتُبَيَّنُ لهم.

قوله تعالى: {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}: (لَعَلَّ) هنا للتَّعلِيل، أي: لأجْلِ أَنْ يتذَكَّروا، والتذكُّر بمعنى ذِكْرِ الشَّيْء، لَكن لَا لمجرد الذِّكر، ولكن للاتِّعَاظِ به.

ولهذا فالمُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ دائما يُفَسِّر {يَتَذَكَّرُونَ} بلازمهِ، وهو الاتِّعاظ، وإلا فأصلُ التَّذَكُّر: تَذَكَّرْتُ الشَّيْءَ، أي: كنتُ منه على ذِكْرٍ، لكن هناك لازم، وهو الاتعاظ.

أمَّا مُجَرَّدُ الذِّكْر بِدُونِ اتِّعَاظٍ، فَهَذَا لَا يَنفع، والمُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ يقول: [يَتَّعِظُونَ] أي: تُؤَثِّر فيهم الموعظةُ والقول، (فَيُؤْمِنُونَ).

<<  <   >  >>