للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والرزق -كما عَرَفْنَا في بَابِ العقيدة- لَا يَجتَمِع مِن حلالٍ وَضِدِّه.

يقول السَّفَارِينِيُّ (١):

وَالرِّزْقُ مَا يَنْفَعُ مِنْ حَلَالِ ... أَوْ ضِدِّهِ فَحُلْ عَنِ المُحَالِ

وضِدُّ الحلال هو الحرامُ، فلا يُحمد الإنسَان إذَا أَنفَقَ مِن حَرَام؛ لأَنَّه مَا يُثاب عليه، والواجب عَلَيه أَنْ يَرُدَّ الشَّيْء، ويتخلص منه، لَكنَّ المرَادَ هنا بالرّزق الَّذي يُحمد عَلَى الإنفَاق منه إذَا كَانَ رزقًا حلالًا، أَمَّا مَن اكتسب شيئًا حرامًا؛ فَإنَّ النَّبيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قال: "إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلَاقَكُمْ، كَما قَسَمَ بَيْنكُمْ أَرْزَاقَكُمْ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ، وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَلَا يُعْطي الدِّينَ إِلَّا لمِنْ أَحَبَّ، فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ، فَقَدْ أَحَبَّهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُسْلِمُ عَبْدٌ حَتَّى يَسْلَمَ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ، وَلَا يُؤْمِنُ حَتَّى يَأْمَنَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ"، قَالُوا: وَمَا بَوَائِقُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: "غَشْمُهُ وَظُلْمُهُ، وَلَا يَكْسِبُ عَبْد مَالًا مِنْ حَرَامٍ، فَيُنْفِقَ مِنْهُ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيهِ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ فَيُقْبَلَ مِنْهُ، وَلَا يَتْرُكُ خَلْفَ ظَهْرِهِ إِلَّا كَانَ زَادَهُ إِلَى النَّارِ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَمْحُو السَّيِّئَ بالسَّيِّئِ، وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالحَسَنِ، إِنَّ الخَبِيثَ لَا يَمْحُو الخَبِيثَ" (٢).

وَهَذَا يَدلُّ عَلَى أَنَّ الإنفَاقَ مِنَ المُحَرَّمِ لَا يَنفَعُ المرءَ، لكن ينفعه إذا أنفقه يُريد التخلُّص منه، بمَعنَى أَنَّه لَا يَلحَقُه شَيء مِن جَرَّائه، وينفعه؛ لأن إنفاقه للتَّخَلُّص منه تَوْبَةٌ، والتوبةُ تنفع العبد.

* * *


(١) لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية، لشمس الدين محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي (١/ ٣٤٣).
(٢) أخرجه أحمد (١/ ٣٨٧، رقم ٣٦٧٢).

<<  <   >  >>