للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَيضًا هَذَا تَخصيصٌ لمَا هُوَ أَعَمُّ؛ فإنَّ اللَّغْوَ يشمل مَا قَالَهُ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ، ويشمل أَيْضًا كُلَّ كَلَام لَا خَيرَ فيه، سَوَاءٌ كَانَ فيه شَرٌّ أَمْ لَم يَكُن.

فهؤُلاءِ في غَايَة ما يَكونُ مِنَ الجِدِّ، وحِفظ الوقت، لا يستمعون إلَى كَلَام لَغْوٍ، وَاللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَدَح الَّذينَ لَا يستمعون اللَّغْو، والنَّبيّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يقول: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ" (١).

والمقابلُ للخَيْر الشَّرُّ، وَمَا لَا خَيرَ فيه، وَلَا شَرَّ، وهو اللغو، فالأصح أنه يشمل كُلَّ كَلَامٍ لَا خَيرَ فيه، سَوَاءٌ كَانَ فيه أَذًى وشَرٌّ، أَمْ لَم يَكن، {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} بأبدانهم، أو بأبدانهم وقلوبهم، أو بقلوبهم فَقَط حَسَب الحال، وَلَكنَّ الأَصلَ هو القُلوب، لَكن قَدْ تَشمل الأبدان أيضًا، بحيث إذَا سَمعوا كلامًا لَا خَيرَ فيه قامُوا، وتركوا المكان، حَتَّى لَو لَم يَكن حَرَامًا.

أما إعراضُ البَدَنِ مع إقبالِ القلْبِ، فَهَذَا لَا يَنفَعُ، فالمقام عند اللَّغو أربعةُ أنواع: تارَةً يُقبِل عليه بجسمه وقَلْبِه، فَحينئذ يَكون مشارِكًا لأهله، وتارَةً يُعرض عَنْهُ بجسمه وقلبه، بحَيث لَا يستمع إلَيه، وَلَا يَجلس، وتارة يُعْرِضُ بقلبه دُونَ جسمه، وتارَةً يُعْرِضُ بجسمه دُونَ قلبه، والتَّركيزُ هنَا عَلَى الإعراض بالقلب.

قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ}، كَأَنَّه يَقول: إذَا قيلَ لَهم: لماذا تقومون؟ لماذا لا تَردُّون؟ لماذا لا تنصَاعُون لأذاهم، يقولون: {لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ}، فَنَحن لَا نُسْأَلُ عَمَّا تعملون، وَأَنْتُم لَا تُسأَلونَ عَمَّا نعمل،


(١) أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان، رقم (٦٤٧٥)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف، ولزوم الصمت إلا عن الخير وكون ذلك كله من الإيمان، رقم (٤٧).

<<  <   >  >>