للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والبَصيرة لَا يَطْلُب الجَاهِلين، فيكون معهم، بَل لَا يَصْحَبُ إلَّا الأَخيَارَ ذوي العِلم والمروءة، والشَّرف والدِّين.

والجاهِلُ هنا المرَادُ بِهِ السَّفِيه، حَتَّى لَو كَانَ عَالمًا؛ لأَنَّه إذَا أساء التصرفَ -وَلَو كَانَ عَالمًا- فَهوَ بمَنزلَة الجَاهِل، بَل أَشَدُّ مِنَ الجَاهل؛ لأَنَّ مَن خَالَفَ عَن عِلم أَشَدُّ ممن خالَفَ عَن جَهل، ويُسمى مَن خَالَفَ عَن عِلم سَفِيهًا، ويُسمى جاهلًا مُرَكَّبًا إذَا ادَّعَى أَنَّه يَعْلَمُ، بخلافِ الإِنْسَان الجَاهِل الَّذي لَم يَأته العِلم أصلًا؛ فَإنَّ هَذَا قَد يستقيم إذَا عَلِمَ.

إذن: الجَاهِلون هنا لَيْسُوا مَن لَا يَعلَمونَ، بل هم السفهاء.

وَإذَا قَالَ قَائل: مَا الَّذي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الجهل يَأتي بمَعنَى السَّفَه؟

قلنا: قَولُه تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} [النساء: ١٧]، فَإنَّ قَولَه: {بِجَهَالَةٍ} بلا شَكَّ أَنَّ المرَادَ: بِسَفَهٍ؛ لأَنَّ مَن يَعمَل السُّوء جاهلًا بِغَيْرِ عِلم هَذَا لَا ذنبَ عَلَيه حَتَّى نَقولَ: إنه يتوب، فالجهل هنَا بمَعنَى السَّفَه.

قوله تعالى: {لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} أي: السُّفَهَاء الَّذينَ يَعمَلونَ بجهالة.

والجَاهِل غَيرُ عَالِم، ربما يَبْتَغِيه المرءُ لِيُعَلِّمَه مَا دَامَ جاهلًا، ولهذا فإنَّ الرَّسُولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى القَبَائل في موسم الحج، يَأتي إلَى قَبيلة، ويأخذ عليهم، ويدعوهم إلَى اللَّه، فهو يطلب هؤُلاءِ الجُهَّال ليُعَلِّمَهُم، لَكنَّ المرَادَ بالجهل هنَا هُوَ السَّفَه؛ لأن السفيه فِعْلُه -في الحقيقَةِ- كَفِعْلِ الجَاهِل تمامًا؛ إذ إنه يُخالف الحقَّ، وَلَا يَعمَل بِهِ، لكنه أَشَدُّ مِنَ الجَاهِل؛ لأَنَّه غَيرُ مَعذور.

<<  <   >  >>