للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِقُرْبَة، حَتَّى يَكونَ وَسيلَة إلَى قُربةٍ أُخرى، فَعَلَى هَذَا لَو أَنَّ الإنسَانَ تحدَّث بحديث لَيسَ مِنَ الذِّكْر، وَلَا مِنَ العِلم، وَلَا مِنَ الأَمر بالمَعروف، وَالنَّهي عَن المنكَر، لكنه حديثٌ يَقْصِدُ به إدخالَ السُّرور على مُجَالِسِيه، فَهَذَا خَيْرٌ، لكنه ليس خيرًا ذاتيًّا بهَذَا الكَلَام، بَل هُوَ خَيْرٌ عَرَضِيٌّ، أي: عَرَضَ لَهُ بسبب القصد الحَسَن فيهِ، وَهَذَا في الحَقيقَة عَلَى هَذَا التَّقدير.

ولا يتساوى الخير العرَضي، والخيرُ الذاتي؛ لأَنَّ الخَيرَ العَرضي يفقد خيره إذَا زَالَ السَّبَبُ، والخيرُ الذاتي خَيْرُه ثابتٌ دائم.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّه يَنبَغي التبرؤ مِن أَصحَاب اللَّغو، وعدم مجالستهم؛ لقوله: {وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ}.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: مشرُوعيَّة السَّلَامُ عِنْدَ الانصراف؛ لقوله: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ}، وَهَذَا لَا يَتَوَجَّه عَلَى تفسير المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ؛ إذ إنه يَرَى أَنَّ السَّلَامَ هنا سلام مُفارَقة، لا سلام تَحِيَّة.

وَعَلَى هَذَا، فَلَا تُؤخَذ هَذِهِ الْفَائدَةُ، وَهُوَ إنَّمَا حَمَلَه عَلَى سلام المفارقة بِنَاء عَلَى تفسيره اللَّغْوَ بالشَّتْمِ والسَّبِّ.

والحقيقةُ أنَّ هَذَا التَّفسير ناقص؛ لأن السَّبَّ والشتم قَد لَا يُقَال: إنَّه لُغْوٌ فقط، بل لَغْوٌ وعُدوان، فهو أَخَصُّ مِن كونه لَغْوًا.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أَنَّه لَا يَنبَغي للعاقِل طلبُ السُّفهاء، فَضلًا عَنِ الجلوس معهم؛ لقوله: {لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}؛ لأنَّ طلبهم في الحَقيقَة يؤَدّي إلَى الجلوس معهم، والجلوس مَعَ الجَاهِلين إثمٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا

<<  <   >  >>