للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا غريبٌ منهم أَنْ يَقُولُوا: {إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ}، فيعترفوا بأنه هُدًى، ثُمَّ بَعدَ ذَلكَ يكفروا.

قوله تعالى: {نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [أَيْ نُنْتَزَعُ مِنْهَا بِسُرْعَةٍ]. والخطفُ: نَزْعُ الشَّيْء بسرعة: أي: يَتَخَطَّفُنا النَّاس، ويكونون علينا؛ لأنَّنا خالفنا مَا كَانوا عَلَيه مِنَ الشِّرك والأوثان، فهُم يَقْضُون علينا بسرعة، وَهَذَا كَقَولِه تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} [آل عمران: ١٧٥].

فالشَّيْطانُ يُخَوِّف المُؤمِنينَ بالكُفَّارِ، يقول: ترى إِنْ آمَنْتُم حَصَل كَذَا وَكَذَا، إِنْ تَمَسَّكْتُم بِدِينِكم حَصَلَ كَذَا وَكَذَا، إِنْ أَلْزَمْتُمُ النَّاسَ باتِّبَاع الإِسْلام؛ ظَاهرًا وَبَاطنًا، ثار النَّاس عَلَيكم، فالنَّاسُ ثَلَاثَةُ أرباعِهم يريدون الفُسوق، وَأَنتُم إذا أَلْزَمْتُمُوهُم بالدِّين، فإنهم يَثُورُون عليكم.

وهَذَا لَا رَيبَ يُلْقِيه الشَّيطَان في قلوب النَّاس، قَالَ تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ}.

ولكن الوَاجب عَلَينَا نَحوَ هَذَا المَقَام أَلَّا نخافَ ما دُمنا نرى أنَّنا نَسِير عَلَى الحَقّ، بل نَعْلَمُ عِلم اليَقِين أنَّنا لو صِرنا عَلَى الحَقّ لَخَافَنَا النَّاسُ، وَلَمْ نَخَفْ منهم، قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ} [الأنعام: ٨٢]، الأَمنُ مِنَ الخَوف، لَا مِنَ اللَّهِ، وَلَا مِن غيرِه، يعني: لَا يَخَافونَ عِقاب اللَّه، لأَنَّهم آمَنوا إيمَانًا صريحًا مَا لَهُ سَبَب، وَكَذَلكَ أَيْضًا يُؤَمِّنُهم اللَّهُ ممَّا يخافون، وَهُوَ أَحَدُ التفسيرين في قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} [الحشر: ٢٣]، وَهُوَ أَنَّ المؤمنَ هُوَ الَّذي يُؤَمِّنُ عِبادَه الطائعين له مما يخافون.

لَكن هَذَا يتطلب في الواقع إيمانًا حقيقيًّا؛ فَإذَا وُجِدَ الإِيمَان الحقيقي، ثم نُفِّذَت

<<  <   >  >>