وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [إبراهيم: ٣٧]، فكانت الثمرات تأتي إلَى هَذَا البَلَد في كُلِّ أوانٍ مِن المكان القريب، كالطائف وغيره، ومن المكان البعيد.
ومعنى الرزق: العَطاء، وهو منصوبٌ لأنَّهُ مفعولٌ مِن أَجْلِه، أو مَصدر، أو مفعولٌ مُطلَق؛ لقوله {يُجْبَى}، يجبى عطاء.
وقوله:{مِنْ لَدُنَّا} أي: مِن عِنْدِنا، وليس لهم به حَوْلٌ، ولا قُدرة، بل الأمر مِن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، هُوَ الَّذي جَعَل هَذِهِ الثمراتِ تُجبى إليه.
المعلوم هنا محذوف في الآيَة، فَلَمْ يَقُل: لَا يَعلَمونَ كَذَا وَكَذَا، ولكن المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ خَصَّه بقوله: [{لَا يَعْلَمُونَ}: أَنَّ مَا تَقُولُهُ حَقٌّ]، وعندي أَنَّ الأمرَ أَعَمُّ وأَشْمَلُ؛ لأن حَذْفَ المفعول يَدُلُّ عَلَى العُموم.
فعليه نقول: لَا يَعلَمونَ أَنَّ مَا تَقُولُه حَقٌّ، ولا يعلَمُون العاقبةَ أيضًا؛ فإن العاقبةَ أنَّه إذَا كَانَ هَذَا الحرَمُ آمِنًا في حَالِ الكُفر، وتجبى إليه الثمرات في حَال الكفر؛ فما بالُك في حَال الإِيمَان، كيف وَقَد قَالَ إبراهيم:{وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}[البقرة: ١٢٦].
فَإذَا كَانَ أهلُ هَذَا البَلَدِ مؤمنين؛ فإنَّ أَمْنَهُ يكون أَشَدَّ مِن جِهة أَنَّ المكان نَفْسَهُ آمِن، ومن جِهَة أَنَّ المؤمن الذي في هَذَا المكان آمِن أيضًا، فإذا كَانَ هَذَا الأمنُ، مع كون هَؤلَاء مِنَ المشركين؛ فإنهم إذا كانوا مؤمنين يكون أكثرَ، ولهذا لمَّا حَصَل مِن المسلمين مَا حَصلَ مِنِ انْتِهَاكِ هَذَا البَلَدِ العظيم؛ سُلِّطَ عليهم مَنْ سُلِّطَ مِنَ الظَّلَمَة،