عن اقترانها بالخَلق، قلنا: إنها شاملة للكونية وللشرعية؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يختار كونًا وشرعًا مَا يَشَاءُ، وَهَذَا أَوْلَى العموم.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا اخْتِيَارَ له، وقد تمسَّك بهذا الجَبْرِيَّة؛ لقوله: {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ}، فقالوا: هَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ مَا لَهُ اختيار، وأنه مُجْبرٌ عَلَى فِعْلِهِ.
والجواب عَلَى ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ المطلَقَة، يعني: الَّتِي تَكُونُ بِدُونِ اللَّه، فاللَّه يختارُ وهُم يختارون، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا آياتٌ كثيرة، وأحاديثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ إِرَادَةٌ، مِنْهَا قَولهُ تعالى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران: ١٥٢]، وقوله: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير: ٢٨].
فهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أثبتَ للإنسان مشيئةً، وأثبتَ لَهُ إِرَادَةً، والواقع يَشْهَدُ بِذَلِكَ، والإنسان يُفَرِّقُ بَيْنَ الفعل الاختياري، والفعل غير الاختياري، فالإنسان إِذَا نَزَلَ مِنَ السطح بالدَّرَج فنزولُه اختياري، وَلَكِنْ إِذَا دَفَعَهُ أَحَدٌ مِن أعلى الدَّرَج فتدحرج، فنزولُه غير اختياري.
والنفيُ فِي قَوْلِهِ: {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} مُسَلَّط هُنَا عَلَى الْخِيَرَةِ المُطْلَقَةِ الَّتِي لَا تُعَارَضُ، هَذِهِ لَيْسَتْ للإنسان، بَلِ الْإِنْسَانُ مُدَبِّر، وَلَهُ إِرَادَةٌ، وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ نفيًا لمطلَق الخِيَرة، فَهَذَا لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّ الآيَاتِ والواقعَ يشهدان بأن للإنسان خِيَرة، والعلماء يقولون فِي كَثِيرٍ مِنَ الكفارات: يُخَيَّرُ بَيْنَ كَذَا وَكَذَا.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: انفراد اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بالإرادة المطلَقة، فلا مُعَقِّبَ لحُكمة، ولا رادَّ لقضائه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute