للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بمعنى: الْقَادِر عَلَى الْخَلْقِ، لكان المشركون الَّذِينَ قَاتَلَهُمُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مُوَحِّدين؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: لا خالقَ، ولا قادِرَ عَلَى الْخَلْقِ إِلَّا اللَّهُ، ولا رَيْبَ أَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إِلَى إِبْطَالِ الرِّسالَة والتوحيد.

ومن ثَمَّ نعلم خطأ بعضِ المؤلفين الآنَ فِي التَّوْحِيدِ، حيث يُرَكِّزون عَلَى تَوْحِيدِ الربوبية، ويتناسَوْن توحيد الأُلُوهِيَّة، وَهَذَا خَطَأٌ عَظِيمٌ؛ لأنَّ التوحيد ليس الإقرارَ بالخالق، والاعترافَ بِهِ فَقَطْ؛ إِذْ إِنَّ هَذَا حاصِلٌ مِنَ المشرِكِينَ الَّذِينَ استباح النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، لكن الإله بمعنى: المعبود، وَهُوَ أَمْرٌ فوق القادِر، أو الخالق.

وَقَوْلُهُ تعالى: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} لما قَرَّر ألوهِيَّتَه بصيغة الجُملة الاسمية {هُوَ اللَّهُ}، وطرفاها مَعرِفتان، والمعروف عند البلاغيين أن الجُملة الاسمية إِذَا كَانَ طرفاها معرفة؛ فَإِنَّهَا تُفِيدُ الحصر، وأكَّد ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}، فهذا حصرٌ أيضًا للأُلُوهِيَّة فِي اللَّهِ وحدَهُ، فليس معه إلهٌ، قَالَ اللَّهُ تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} [المؤمنون: ٩١]، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الإله هو المعبود الَّذِي يَخْلُقُ، وَلِهَذَا قَالَ: {لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ}.

ولا تظُنَّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ تُؤَيِّد تفسير المتكلمين لمَّا قَالَ: {لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ}، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ المُرَادَ بالإله الخالِقُ، وإلَّا لَقَالَ: لذهب كل إله بمَن عبَدَهُ. وَلَكِنْ لِأَنَّهُ لمَّا كَانَ الإلهُ الْحَقُّ هُوَ الْإِلَهُ الخالق، قال: {لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ}.

والحصر فِي قَوْلِهِ: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} حقيقي، وقد يشتبِه عَلَى بَعْضِ الناس، فيقول: إنه إضافيٌّ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا الحصرَ إذا جعلناه حقيقيًّا يُشْكِلُ عَلَيْهِ كثيرًا أَنَّ اللَّهَ أثبَتَ آلهةً سِواهُ؛ حَيْثُ قَالَ: {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [هود: ١٠١]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ: {أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ

<<  <   >  >>