للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذن: هو رَدَّ نصيحتَهم، ولم يعترِف بأن الفضل للَّه، هَذَا قَوْلٌ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إنما آتَانِي اللَّهُ ذَلِكَ؛ لأني أهلٌ له، فيصير المعنى: عَلَى عِلْمٍ مِنَ اللَّهِ أَنِّي له أهلٌ.

وبمعنًى آخَر: لأني عالِمٌ بأسباب الرزق، فاكتسبتُه بما معي مِنَ الْعِلْمِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ، بل أَنَا رَجُلٌ حاذِقٌ أعرفُ كيف أتصرف، وأعرف الْأَسْبَابَ الَّتِي فِيهَا نُمُوُّ المال، فحَصَل لي ذَلِكَ بِمَا عندي. كَأَنَّهُ يَقُولُ: إنما أُوتيتُه بِحَوْلي وقُوَّتِي، وليس بِفَضْلِ اللَّهِ ومِنَّتِه.

فصار عَلَى المَعْنَى الْأَوَّلِ نَسَب هذا الإتيانَ عَلَى أَنَّهُ مكافأةٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ له، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي نَسَب هذا الْفَضْلَ إِلَى حَوْلِه وقُوته، وَلَيْسَ إِلَى فَضْلِ اللَّهِ تعالى.

قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [وَكَانَ أَعْلَمَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالتَّوْرَاةِ بَعْدَ مُوسَى وَهَارُونَ]، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ -مِن زَعْمِه أنه أعلمَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بالتَّوراة بَعد مُوسَى وَهَارُونَ- غَيْرُ مُسَلَّمٍ به؛ بَلْ إِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَالَ: عَلَى عِلْمٍ مِنَ اللَّهِ أَنِّي له أهل، وأني أهلٌ لهذا الشَّيْء، أَوْ عَلَى عِلْمٍ عندي، أي: عَلَى مَعْرِفَةٍ مني بالأمور، وأمَّا أنه أعلمُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بالتوراة، فَلَيْسَ فِي الآيَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.

قَوْلُه تعالى: {أَوَلَمْ يَعْلَمْ} الهَمزة للاستفهام، وَالمُرَادُ بِهَا التقرير، أي: إِنَّهُ قَدْ عَلِمَ؛ لِأَنَّ الَّذِي قَدِ عَلِمَ هُوَ اللَّهُ، وَهُوَ عَالِمٌ بأنَّ قارونَ عَالِمٌ بِذَلِكَ، فالتقريرُ هنا مِنَ اللَّهِ، هُوَ الَّذِي أخبرنا بأنَّ قارون قَدْ عَلِمَ بِهَذَا الْأَمْرِ.

وقوله: {أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ} الإهلاكُ هُنَا بِمَعْنَى الإفْنَاء، وقوله: {مِنَ الْقُرُونِ} جَمع قَرْنٍ، والقَرْنُ تارَةً يُرَادَ بِهِ الْأُمَّةُ، وتارَةً يُرَادَ بِهِ الزمن، فيقال مثلًا: تتابعت الأُمم قَرْنًا بَعْدَ قَرْنِ، أي: زَمَنًا بَعْدَ زَمَن.

<<  <   >  >>