فالجواب عَلَى ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ السُّؤَالَ المَنفِيَّ هُوَ سُؤَالُ الاستفسار، الَّذِي يَسْأل: هل أذنبتَ؟ وما ذَنْبُك؟ والسؤال المُثْبَتُ سؤالُ التوبيخِ والتَّبْكِيت والتَّقْرِيع، أي يُسْألون لِيُقِرُّوا، فهذا ثابتٌ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ هُنَا.
سؤال النفي أَنَّهُمْ لَا يُسألون لِأَجْلِ أَنْ يُخْبِرُوا عَنْ ذُنوبهم، وإذا أَخْبروا -مثلًا- تُرِكُوا، أو يُعاقَبُون عَلَى حَسَبِ إخبارهم؛ لأنهم سيُعَاقَبُون، سواء أَخبَروا أَوْ لم يُخْبِرُوا، لكنهم يُنكِرون، فيقولون: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: ٢٣]، ولكنهم لا يَسْتَفِيدُونَ مِنْ هَذَا النفي شيئًا.
فسؤالُ الاستفسارِ مَعْنَاهُ أَنَّك تَسأل الْإِنْسَانَ عَنْ شَيْءٍ تجهلُه لِيُخْبِرَك به، هَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَرِدَ بالنسبة للمُجرمين، وَهَذَا هُوَ المَنْفِيُّ.
أَمَّا سؤال التَّوبيخ فتسألُه عَنْ شَيْءٍ ليُقِرَّ به، لَا ليخبرك، ولأَجْل أَنْ يَخْزَى بَيْنَ النَّاسِ.
فإذا سُئِلوا قالوا: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}، وشهِدت جوارحُهم، فَإِنَّهُمْ لَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا، أو إنهم يُسأَلون فيجحدون فِي مَكَانٍ، أَوْ فِي وَقْتٍ، ويُسألون فيُقِرُّون فِي وَقْتٍ آخَرَ.
فتَبيَّن الآنَ بِذَلِكَ أَنَّ السؤال المنفيَّ غيرُ السؤال المُثْبَت، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.
وبعضهم يقول: إِنَّ السُّؤَالَ المُثْبَت يَكُونُ فِي وَقْتٍ، والسؤال المنفيُّ فِي وَقْتٍ آخَرَ؛ لأن يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِقدارُه خمسون أَلْفَ سَنَةٍ، فالمدة طويلة، فيُمكن أَنْ يُسْأَلُوا فِي مَوْضِعٍ، ولا يُسْأَلُوا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {الْمُجْرِمُونَ} المجرم هُوَ فَاعِلُ الإجرام، والإجرام: المعاصي،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute