وَلِهَذَا قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [فِي الدُّنيا]، مِنَ المَالِ والكنوز والزينة.
ونرى أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا: يا لَيْتَ لَنَا مَا أُوتِيَ قارون، بَلْ قَالُوا: مِثْلَه؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا: لَيْتَ لَنَا مَا أُوتِيَ قارون، كَانَ ذَلِكَ حسدًا؛ لأنهم يَتَمَنَّون بذلك زَوَالَ النِّعْمَةِ عنه، لكنهم قالوا: مِثلَه، وهذا الْأَمْرُ لَا يَجُوزُ، إذا أُعطُوا مِثله، ولكن لهم مثلُه.
قوله: {إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [نَصِيبٌ، {عَظِيمٍ} وَافٍ فِيهَا]. أي: فِي الدُّنْيَا.
قوله: {إِنَّهُ} أي: قارون، {لَذُو} أي: لصاحبِ، {حَظٍّ} أي: نصيب، {عَظِيمٍ} وافٍ، ويَحتمِل فِي المَعْنَى: وافِر، فالعظيم هو: الوافِرُ الكثير، فَهُوَ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ، وَهَذَا إِنَّمَا يقوله مَن كان نظرُه قاصرًا، وَلَا يُرِيدُ إِلَّا الدُّنيا.
والحقيقة أَنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ هِيَ الحظَّ، وإنما الحَظُّ نصيبُ الْإِنْسَانِ مِنَ الآخِرَةِ، أما نصيبُه مِنَ الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لأنه نصيبٌ يزولُ هو، أو يزول مَن أُعطيَه وَلَا يَنْفَعُ؛ ولأنه نَصِيبُ فِي الْغَالِبِ يَحْمِلُ عَلَى الخُسارة والفساد، ويَحْمِلُ عَلَى الأَشَر والبَطَر، فيَخْسَر الإنسان دِينَه ودُنياه، فَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ حَظٌّ، لكن يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ كان نَظَرُه قاصِرًا.
وإلى وقتنا هذا، النَّاسُ إِذَا رَأَوْا شخصًا تاجرًا كَبِيرًا قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالمَالِ، قالوا: مَا شَاءَ اللَّهُ، إنه صاحِب حظ. ولكن هؤُلاءِ قِصارُ النَّظَر؛ إِذْ إِنَّ الحظَّ الحقيقي هو حَظُّ الآخِرَةِ، قَالَ اللَّهُ تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: ٣٥]، هَذَا هو الحَظُّ الْعَظِيمُ.
وَهُم فِي قَوْلِهمْ لم يُقَيِّدوا ذَلِكَ أَيْضًا فِي الدُّنْيَا، كأنهم تَنَاسَوُا الآخِرَة، وَرَأَوْا أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute