للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِمَّنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ، وأتى بـ (في) الدَّالَّةِ عَلَى الظرفية، كَأَنَّ هَذَا مُنغمس فِي الضَّلَالِ، والضلالُ محيط بِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ إحاطةَ الظرفِ بالمظروف، كَمَا تَقُولُ: (المَاءُ فِي الْإِنَاءِ)، و (الإناء محيط بِالمَاءِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ)، كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: ١٢٢]، فهنا الضلال محيط بهؤُلاءِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ.

وقوله: {مُبِينٍ} بمعنى: بَيِّن، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا أَنَّهُ قَالَ: بان الفَجْرُ وأبانَ الفَجْرُ، بمعنى: ظَهَر، كأنَّ الرُّباعي مِثل الثلاثي، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ {مُبِينٍ} مِن الرُّباعي، لكنه بمعنى الثلاثي، أي: بَيِّن.

ولَمْ يَقُلْ: (أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بالهدى، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ)، لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بين الهدى والضلال، فالأمر إما هُدًى، وإما ضَلال، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس: ٣٢]، وقوله: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ} [سبأ: ٢٤].

فليْسَت هُناك وسطٌ بيْن الهُدَى والضَّلال، فلَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ لَا مهتديًا ولا ضالًّا، بَلِ النَّاسُ كُلُّهُمْ إمَّا مُهْتَدٍ، وإمَّا ضَالٌّ، قَالَ تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [التغابن: ٢]، فالأمر دائر بَيْنَ شَيْئَيْنِ كِلاهما قَسِيمٌ للآخَر، وهما الهدى والضلال؛ لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا.

يَقُولُ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [نَزَلَ جَوَابًا لِقَوْلِ كُفَّارِ مَكَّةَ لَهُ: إِنَّكَ فِي ضَلَالٍ، أَيْ فَهُوَ الجْائِي بِالْهُدَى، وَهُمْ فِي ضَلَالٍ، وَ {أَعْلَمُ} بِمَعْنَى عَالِمٍ].

واحتمال مَا قَالَهُ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ صحيح؛ بِأَنَّهُمْ قَالُوا هكذا، فَنَزَلَتِ الآيَةُ، وَيَحْتَمِلُ أنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَ النزول لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ بدليلٍ صحيح، أمَّا مُجَرَّد

<<  <   >  >>