للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزخرف: ٨١]، فَهَذَا الشَّرْطُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ، فَلَا يَلْزَم مِنْ تعذُّرِ، أو استحالَةِ الشَّيْءِ ألَّا يَقَعَ شرطًا، حَتَّى فِي الْأُمُورِ العادية، لَوْ قَالَ إنسانٌ لزوجته: إِنْ طِرتِ فَأَنْتِ طَالِق. يَصِحُّ الكلام، ولكن تعليق الشَّيْءِ عَلَى المستحيل يجعله مستحيلًا، هُوَ جَائِزٌ، لكن يجعله مستحيلًا، مثل قَوْلُ الشَّاعِرِ (١):

إِذَا شَابَ الْغُرَابُ أَتَيْتُ أَهْلِي ... وَصَارَ الْقَارُ كَاللَّبَنِ الحَلِيبِ

وَالْغُرَابُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَشِيبَ أبدًا، والقَارُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُصَيِّرَ مِثْلَ اللبن أبدًا، وَلَكِنَّهُ مَا دَامَ عَلَّقَ الْأَمْرَ عَلَى شَيْءٍ مستحيل، فالمعلَّق على المستحيلِ مستحيلٌ.

قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [وَلَمْ يُؤَثِّرِ الجْازِمُ فِي الفِعْلِ لِبِنَائِهِ]، يقصد بالجازم والفِعلَ، وهو قوله: {فَلَا تَكُونَنَّ}، [لِبِنَائِهِ] لِأَنَّهُ لَوْلَا البناءُ لَقال: وَلَا تَكُنْ، فَحُذِفت لامُ الفعل، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ} [النحل: ١٢٧]، فالجازم هنا -وَهُوَ لَا الناهية- قَدْ أَثَّرَ فِي الْفِعْلِ.

فأصل الفعل: (تَكُون)، و (لا) النهاية تؤثر بتسكين آخِرِ الفِعل، فالتقى ساكنان، الواو والنون الساكنة، فحُذفت الواو، وبَقِيَت النون الساكنة، فأصبحت: (تَكُن)، ثُمَّ حُذِفَتِ النون تخفيفًا.

أما فِي قَوْلِهِ تعالى هنا: {وَلَا تَكُونَنَّ} فالجازم لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْفِعْلِ بحذف الواو، ولا النون؛ لبناء الْفِعْلِ كَمَا قال المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ.

وقوله: {مِنَ الْمُشْرِكِينَ} الشرك يَنْقَسِمُ إِلَى: شِرك أكبر مُخرج عَنِ الملَّةِ،


(١) البيت في حياة الحيوان، للدميري (٢/ ٢٤٤) بلا نسبة.

<<  <   >  >>