للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والتحريمُ القَدَري متعلق بالأحكام الكَوْنِيَّة، ومثاله قَوْلُهُ تعالى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: ٩٥]، وقوله تعالى: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ} [المائدة: ٢٦]، فالتحريم هنا تحريمٌ قدَري.

قوله تعالى: {عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ} لم تَقُل: عَلَى أَهْلِهِ. فلو قَالَتْ ذَلِكَ افتضح أمرُها، وقالته بصيغة التنكير؛ حَتَّى لَا يعرفوها، مع أنها أختُ موسى، وصاحبة البيت هِيَ أُمُّهُ، فأخت مُوسَى لمَّا رَأَتْ حُنُوَّ آلِ فِرْعَوْنَ عَلَى هَذَا الطفل؛ لأنَّهم محبُّونَ أَنْ يجدوا مَنْ يَقُومُ بكَفَالته وإرضاعِه، قالت: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ} للإرضاع وغيره.

قَوْلُهُ تعالى: {يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ}، الكَفْل معناه: القيام بحَضانة الطفل، ويسمى كَفْلًا، كَمَا فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: ٣٧]، وِفي قِرَاءَةٍ ثانية "وكَفَلَهَا زَكَرِيَّا"، والمعنى: أنا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ يقومون بحضانته على أَتَمِّ قيام، بدليل قولها: {وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ}.

هنا الكَفالة عَبَّرَ عَنْهَا بالفعل {يَكْفُلُونَهُ}، والنصيحة عَبَّرَ عَنْهَا بالجُملة الاسمية {وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ}، فالنصيحة مَبْنِيَّةٌ عَلَى النِّيَّةِ فِي الْقَلْبِ.

قوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {نَاصِحُونَ} أي: مخلصون، وأصلُ النُّصح: إخلاصُ الشَّيْءِ مِنَ الشوائب، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: ٨]، أي: خَالِصَةٌ مِنَ الشوائب للَّهِ وَحْدَهُ، وهي هنا صَادِقَة فِي قَوْلِها هذا.

وقوله: {وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} الضَّمِيرُ فِي {لَهُ} يَعُودُ إِلَى هَذَا الطفل بلا رَيْبٍ، ونُصح أهل هَذَا الْبَيْتِ لموسى يُعجب آلَ فِرْعَوْنَ؛ لأنَّهم أحبُّوا هذا الطفل، ورَغِبُوا فِي الْبَحْثِ عمن يكفُلُه ويُرَبِّيه عَلَى الْوَجْهِ الأتمِّ.

<<  <   >  >>