للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: ١٥٨]، ثم قال: "أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ" (١).

وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّ الْفُقَرَاءَ أشد حاجةً مِن المساكين؛ لِأَنَّ اللَّهَ بَدَأَ بِهِمْ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: ٦٠].

فهنا نَقُولَ: لمَّا ذَكَرَ اللَّهُ: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا}، ثُمَّ قَالَ: {وَدَخَلَ} عَلِمْنَا بِأَنَّ دخوله المدينةَ بَعْدَ أَنْ بَلَغَ أَشُدَّهُ.

قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَدَخَلَ} مُوسَى، {الْمَدِينَةَ} أَيْ مَدِينَةَ فِرْعَوْنَ، وَهِيَ مَنْفُ أَوْ مُنْفُ -بِضَمِّ الميم وسكون النون- بَعْدَ أَنْ غَابَ عَنْهُ مُدَّةً].

تعيين المدينة بأنها مدينة فِرْعَون فِي نَفْسِي مِنْ هَذَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ تربّى عند فِرْعَون، في مدينته نفسها، وفي مكانه نفسه، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يقال: إِنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ فِي مِصْرَ، وإنَّ مَنْفَ هَذهِ بلد خَارِجَةٌ عَنِ القاعدة الأصلية، يعني: قصبة البلد، وإنه خَرَجَ فِي يَوْمٍ مِنَ الأيام، فدخلها، والأحسنُ فِي مِثْلِ هَذَا المَقَامِ إِذَا لَمْ تَرِدْ عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ نَقُولَ: مدينة مِن مُدن مصر، ويسكنها أقباطٌ وإسرائيليون بدليل القصة.

قوله تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا}، قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [وقتَ القيلولة].

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: المراد عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ زمنًا، يعني: أَنَّهُمْ فِي زَمَنٍ يَغْفُل النَّاسُ فِيهِ، وبعضُهم يَقُوُل إِنَّهُمْ نَسُوا موسى وقِصَّته، وطال الزَّمَن، فدخل {عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ} مِن التحدث فِي هَذَا الْأَمْرِ.

ولكن المَعْنَى الْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وهو أنه دَخَلَهَا فِي وَقْتٍ أهلُها غافلون، وَلَا يَتَعَيَّنُ


(١) أخرجه مسلم: كتاب الحج، باب حجة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، رقم (١٢١٨).

<<  <   >  >>