للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَوَّلُ: خوف عبادة يقتضي التَّقَرُّبَ إِلَى المَخوف، والتزامَ طاعته، وَنَحْوَ ذَلِكَ.

الثَّاني: خوفٌ طبيعي مما يُخَافُ مِنْهُ، وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأنَّهُ مِنَ طبيعة البشر، لكنه يكون مذمومًا إِذَا أَدَّى إِلَى تَرْكِ واجب، أَوْ فِعْل محرَّم، قَالَ تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: ١٧٥].

قوله تعالى: {فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ}: {فَإِذَا} فُجائية، يعني: فاجأه في الصباح وهو خائف يترقَّب، فاجأه أَنَّ صَاحِبَهُ الإسرائيلي الذي استنكره بالأمس هُوَ الْيَوْمَ يسْتَصرِخُه، والاستِصْراخُ معناه: طلب الإنقاذ مِن الشِّدة.

وهنا نجد أَنَّ الرَّجُلَ قَدِ استغاثَ واستصْرَخ واستَنْصر، والظَّاهرُ أن الاستغاثة والاستنصار بِمَعْنًى وَاحِدٍ، ولكن الاستنصار أعمُّ؛ لأنك قد تستنصر إنسانًا لينصُرَك، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي شِدَّةٍ.

والاستغاثةُ أَخَصُّ، إِلَّا أَنَّ الآيَةَ الكَرِيمَةْ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الاستغاثة مِنْ بَابِ الاستنصار.

قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {يَسْتَصْرِخُهُ}: [يَسْتَغِيثُ بِهِ عَلَى قِبْطِيٍّ آخَرَ].

قوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {قَالَ لَهُ مُوسَى} الضَّمِيرُ فِي {لَهُ} يَعُودُ إِلَى الإسرائيلي الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ، وَزَعَمَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ أَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إِلَى القبطي، وأنَّ مُوسَى -صلى اللَّه عليه وسلم- عاقب القبطي، وَقَالَ لَهُ: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ}، وَلَكِنَّ هَذَا بَعِيدٌ عن السياق، فالصَّواب أَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إِلَى الإسرائيلي الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ.

قوله تعالى: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} أي: بَيِّن الغِواية لما فعلتَه أمسِ واليوم.

<<  <   >  >>