وأما بالمكافأة إِنْ كَانَت مِمَّنْ يُرِيدُهَا فَجَرَت بَيْنَ يَدَيْهِ، يعني: أَجْرَ مَا سَقَاهُ لهما، والمعروف أنَّ الأجْرَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِعَقْدِ إيجار، وَلَمْ يَقَعْ بين موسى، وبين المرأتين عَقْدُ إِجَارَةٍ عَلَى أَنْ يَسْقِيَ لهما، لكن كأنها قَصدَت بالمكافأة إِنْ كَانَ مِمَّنْ يرِيدُهَا، فسَمَّت هَذِهِ المكافأةَ أجرًا.
قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [فَمَشَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَضْرِبُ ثَوْبَهَا، فَتَكْشِفُ سَاقَيْهَا، فَقَالَ لها: امْشِي خَلْفِي، وَدُلِّينِي عَلَى الطَّرِيقِ] هَذِهِ الْقِصَّةُ يأتون بها توطئةً لقولها: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}.
وَقَدْ سَبَقَ أنه نزع الصخرة العظيمة التي ما يرفعُها إِلَّا عَشَرَةُ رجال، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى قُوَّتِه، وفِعْلُه أثناءَ سَيْرِهِ معها دَلَّ عَلَى أَمَانَتِهِ.
قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [فَفَعَلَتْ إِلَى أَنْ جَاءَ أَبُوهَا، وَهُوَ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعِنْدَهُ عَشَاءٌ، فَقَالَ لَهُ: اطْلُبْ. فتَعَشَّى، فتَأَخَّرَ، قَالَ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا مِمَّا سَقَيْتُ لَهُمَا، وَإِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ لَا نَطْلُبُ عَلَى عَمَلِ خَيْرٍ عِوَضًا. قَالَ: لَا، عَادَتِي وَعَادَةُ آبَائِي نَقْرِي الضَّيْفَ، وَنُطْعِمُ الطَّعَامَ. فَأَكَلَ، فَأَخْبَرَهُ بِالحْالِ].
كُلُّ هَذَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، والذي عَلَيْهِ الدَّلِيلُ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أجاب الدعوة، ومشى حَتَّى وَصَلَ إِلَى الْأَبِ، وهذا يكفينا أن نعتقد مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ، أَمَّا أَنْ نأتيَ بِشَيْءٍ لَا ذِكْرَ لَهُ فِي الآيَةِ، فلا.
يقول تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ} الْفَاعِلُ في {جَاءَهُ}: موسى، {وَقَصَّ عَلَيْهِ} أي: موسى، {الْقَصَصَ} بمعنى المقصوص؛ لأن القَصَص مصدر، قَالَ اللَّهُ تعالى: {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف: ٦٤]، أي: يقُصَّان الأثر قَصَصًا؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute