للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالْأَنَاةُ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَخُلُقَيْن تَخَلَّقْتُ بِهَما أَمْ جَبَلَنِي اللَّهُ عَلَيْهِما، قَالَ: "بَلْ جَبَلَكَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا قَالَ: "الحَمْدُ للَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ" (١). مِن: حَلُم، ويتأنَّى.

فهذا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الأخلاق تكون بالتخَلُّق، وتكون بالجِبِلَّة، والجِبِلَّة أثبتُ.

وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بَلْ جَبَلَكَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا"؛ لأن التخلُّق قد ينسى الإِنْسَان أحيانًا، ولا يَتَخَلَّق، وَيَكُونُ عَلَى جِبِلَّتِه، لكن الجِبِلَّة لَا شَكَّ أنها أكملُ، وإنما يمكن للإنسان بالتَّعَوُّد والتَّخَلُّق عَلَى الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خُلقًا له.

والجِبِلَّة أكملُ للإنسان، فَقَدْ يَكُونُ تخلُّقه بالأخلاق الفاضلة مِن جِبلَّته، إِلَى الْآنَ قد يَكُونُ مِنَ الْعَامَّةِ مَنْ لَا يوافقون عليها، وَكَمْ مِنْ أُناس تغيرت طِباعُهم وحَسُنت أخلاقُهم بما مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِمْ.

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: قَصُّ الْأَخْبَارِ لَا يُعْتَبرُ شِكَايةً، فلو قصصتَ عَلَى إِنْسَانٍ مَا جَرَى عَلَيْكَ مِنَ المصائب، فَلَا يُعْتَبرُ ذَلِكَ مِنَ الشكاية إليه، ولهذا يُقال: هذا إخبارٌ. فالمريض يقول مَثَلًا لمِنْ سَأَلهُ عَنْ حَالِهِ: إني مريض، فَهَذَا إِخْبَارٌ، لَا شَكْوَى، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُما أَنَّ الشكوى تتضمن طلبَ إزالة الشَّيْء، والتَّضَجُّر منه، وأما الخَبَرُ، فإنه مجُرَّدٌ عَنْ ذلك، فهو مجُرد إِخْبَارٍ عَنْ أَمْرٍ وَقَعَ.

فالْإِنْسَانِ إِذَا عَبَّرَ عَنْ حالِه -مثلًا- بقوله: وَقَعَ عَلَيَّ ظُلم وكذا وكذا، فَهَذَا لَا يُعَدُّ شِكاية، فَلَا يُمْكِنُ دفعُ ظُلم الظَّالم إلا بِذِكر ظُلمه، ولهذا يَقُولُ اللَّهُ تعالى:


(١) أخرجه أبو داود: كتاب الأدب، باب فىِ قبلة الرجل، رقم (٥٢٢٥)، وأصل الحديث عند مسلم: كتاب الايمان، باب الأمر بالإيمان باللَّه ورسوله، وشرائع الدين، والدعاء إليه، رقم (١٧).

<<  <   >  >>