للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على أبي العبّاس الرّازيّ، وعنَّ لهُ أمرٌ أضحكهُ، وكان بالحضرة جماعة من أهل بلدنا، فأنكروا عليه ضِحكَهُ وقالوا: هذا لَا يصلُح ولا يليق بعلمِك وتقدُّمِك أن تقرأ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنت تضحك. وأكثروا عليه وقالوا: شيوخ بلدنا لا يرضون هذا.

فقال: ما في بلدكم شيخٌ إِلَّا يجب أن يقعد بين يديّ ويقتدي بي. ودليل ذلك أنِّي قد صرتُ معكُم على غير موعد، فانظروا إلى أي حديثٍ شئتم مِنْ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اقرأوا إسناده لَأقرأ متنه، أو اقرأوا متنه حتى أخبركم بإسناده١.

قال الباجيّ: لزمتُ الصوريُّ ثلاثة أعوام، فما رأيتهُ تعرَّض لفتوى.

وقال أبو الحسن بن الطُّيوريّ: كتبتُ عن خلْقٍ فما رأيت فيهم أحفظ من الصُّوريّ، كان يكتب بفرد عين، وكان متفنّنًا، يعرف من كل علم، وقوله حجّة.

قال: وعنه أخذ الخطيب علم الحديث.

قلت: وشعره ممّا رواه عنه الخطيب:

في جدّ وفي هزل إذا شئـ ... ت وجَدِّي أضعاف أضعاف هزلي

عاب قومٌ عليَّ هذا ولجّوا ... في عِتابي وأكثروا فيه عذْلي

قلتُ: مهلًا، لَا تُفرِطوا في ملامي ... واحكموا لي فيكم بغالب فِعْلي

أنا راضٍ بِحُكمُكم إن عدَلتم ... رُبَّ حُكمٍ يمضي على غير عدْلِ

وللصُّوريّ أيضًا:

قُل لمن عاند الحديث وأضَحى ... عائِبًا أهله ومن يدَّعيه

أبِعلمٍ تقولُ هذا؟ أبن لي، ... أم بجهلٍ فالجهلُ خُلُقُ السفيه

أيُعابُ الذين هم حفظوا الدِّ ... ين من التُّرِّهاتِ والتمويه

وإلى قولهم وما قد رَوَوْهُ ... راجِعٌ كلُّ عالمٍ وفقيه٢

٢٨- مزيد بن محمد السلمي:

الطوسي الفقيه.


١ تذكرة الحفاظ "٣/ ١١١٥، ١١١٦"، وسير أعلام النبلاء "٢٧/ ٦٢٩".
٢ سير أعلام النبلاء "١٧/ ٦٣١"، والبداية والنهاية "١٢/ ٦١".