للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يشعر، فلمَّا جلس للإقراء قال له بعض الطَّلبة: يا سيِّدي أكلت دُبْسًا؟ فأسرع بيده إلى صدره يمسحه، وقال: نعم، لعن اللَّه النَّهم. فاستحسنوا سرعة فهمه.

وكان يعتذر إلى من يرحل إليه من الطَّلَبة، فإنّهُ كان ليس له سِعة، وأهل اليسار بالمعرَّة يُعرَفون بالبُخْل. وكان يتأوَّه من ذلك١.

وذكر الباخرزيُّ٢ أبا العلاء فقال: ضريرٌ ما له في الأدب ضريب، ومكفوف في قميص الفضل ملفوف، ومحجوب خصمه الألدّ محجوب، قد طال في ظِل الْإِسلام إناؤه، ولكن إنما رشح بالْإِلحاد إناؤه، وعندنا خبر بصره، واللَّه العالِم ببصيرته، والمُطّلع على سريرته، وإنَّما تحدَّقت الألسُن بأساته لكُتّابه الّذين زعموا أنّهُ عارض به القرآن، وعنونه: "بالفصول والغايات في مُحاذاة السُّور والَآيات".

قال القِفْطيّ: وذكرت ما ساقه غرّس النِّعمة محمد بن هلال المحسّن فيه فقال: كان لهُ شعرٌ كثير وأدبٌ غزير، ويُرمى بالْإِلحاد في شِعره، وأشعاره دالة على ما يزنُّ٣ به، ولم يكُن يأكل لحمًا ولا بيضا ولا لبنًا، بل يقتصر على النبات.

ويحرّم إيلام الحيوان، ويُظهِر الصَّوم دائمًا.

قال: ونحنُ نذكر طرفًا مما أبلغنا من شعره لتعلم صحّة ما يُحكى عنه من إلحاده، فمنه:

صرفُ الزّمانِ مُفَرِّقُ الإلْفَيْنِ ... فاحكُمْ إلهي بين ذاك وبيني

أَنَهَيْتَ عن قتْل النُّفُوس تعمُّدًا ... وبَعَثْتَ أنتَ لقَبْضها مَلَكَيْنِ

وَزَعْمتَ أنّ لها مَعَادًا ثانيا ... ما كان أغناها عن الحالَيْنِ٤

ومنه:

قرانُ المُشْتَري زُحَلًا يُرَجَّى ... لإيقاظِ النّواظِر مِن كَرَاهَا

تقضّى النّاسُ جيلًا بعدِ جيلٍ ... وخُلِّفتِ النّجومُ كما تراها


١ إنباء الرواة "١/ ٥٥".
٢ في دمية القصر.
٣ يزن: يُتَّهَم.
٤ سير أعلام النبلاء "١٨/ ١٩"، والمنتظم "٨/ ١٨٨".