للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقلت: على ماذا حسدوك، وقد تركت لهم الدُّنيا والَآخرة؟ قال: والَآخرة: قلت: إي واللَّه.

قال غرس النّعمة: وأذكر عند ورود الخبر بموته، وقد تذاكرنا إلحاده، ومَعَنا غُلَام يُعْرَف بأبي غالب من نبهان من أهل الخير والفقه. فلمَّا كان من الغد حكى لنا قال: رأيتُ في منامي البارحة شيخًا ضريرًا، وعلى عاتقه أفعتان مُتَدَلّيتان إلى فَخِذَيْهِ، وكلُّ منهما فمه إلى وجهه، فيقطع منه لحمًا يزدرده وهو يستغيث.

فقلتُ وقد هالني: من هذا؟ فقيل لي: هذا المَعَرِّيّ المُلحد١.

ولَأبي العلاء:

أتى عيسى فبطَّلَ شرْعَ موسى ... وجاء محمدٌ بصلاةِ خَمْسٍ

وقالوا: لَا نبيٌّ بعدَ هذا ... فَضَلَّ القومُ بين غدٍ وأمسٍ

ومهما عشْتَ في دُنياك هذي ... فما تُخْليكَ مِنْ قَمَرٍ وشمسِ

إذا قُلتُ المُحالَ رفعتُ صَوْتي ... وإنْ قلتُ الصّحيحَ أطلَّتُ هَمْسي٢

وله:

إذا مات ابنُها صرخَتْ بجهلِ ... وماذا تستفيد من الصُّراخِ؟

ستتبعه كفاء العطف ليست ... بمهلٍ أو كَثُمَّ على التراخي

وله:

لَا تَجْلِسْن حُرّةُ موفْقَةٌ ... مع ابن زوجٍ لها ولا خَتَنٍ

فذاك خيرُ لها وأسلم للإ ... نسانِ إنْ الفَتَى من الفِتَنِ

وله:

منكَ الصدُودُ ومنّي بالصُّدودِ رِضا ... مَن ذا عليَّ بهذا في هواك قضا

بي منك ما لو غدا بالشّمسِ ما طَلَعَتْ ... من الكآبة أو بالبَرْقِ ما وَمَضَا

جرَّبتُ دَهْري وأهليه فما تَرَكَتْ ... لِيَ التّجاريبُ فيوُدّ امرئٍ غَرضا

إذا الفتى ذَمّ عَيْشًا في شَبِيَبِتِه ... فما يقولُ إذا عَصْرُ الشَّباب مَضا


١ إنباء الرواة "١/ ٨٠، ٨١".
٢ سير أعلام النبلاء "١٨/ ٣٩".