للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنّي كنت أقرأ على عبد الله فأترك شيئًا لأجرّبه، ففي بعضٍ يرُد، وفي بعضٍ يسكت، والزَّنجانيُّ، كنتُ إذا تركت اسمَ رجلٍ يقول: تركتَ بين فُلان وفُلان اسمَ فُلان.

قال ابن السَّمعانيّ: صَدَق. كان سعد أعرف بحديثه لقلَّته، وعبد الله كان مكثرًا.

قال أبو سعد السَّمعانيّ: سمعتُ بعض مشايخي يقول: كان جدّك أبو المظفّر قد عزم على أن يُقيم بمكّة ويجاور بها، صُحْبَةَ الإمام سعْد بن عليّ، فرأى ليلةً من اللّيالي والدته كأنّها قد كشفت رأسها وقالت له: يا بُنَيّ، بحقّي عليك إلّا ما رجعتَ إلى مرو، فإنّي لا أطيق فِراقَك.

قال: فانتبهتُ مغمومًا، وقلت أشاور الشّيخَ سعْد، فمضيتُ إليه وهو قاعد في الحَرَم، ولم أقدر من الزّحام أن أكلّمه، فلمّا تفرَّق النّاس وقام تبِعْتُه إلى داره، فالتفت إليّ وقال: يا أبا المظفَّر، العجوز تنتظرك. ودخل البيت.

فعرفت أنّه تكلَّم على ضميري، فرجعتُ مع الحاجّ تلك السّنة.

قال أبو سعْد: كان أبو القاسم حافظًا، متقِنًا، ثقة، ورِعًا، كثير العبادة، صاحب كرامات وآيات. وإذا خرج إلى الحرم يخلون المطاف، ويقبّلون يده أكثر ممّا يقبلون الحجر الأسود١.

وقال محمد بن طاهر: ما رأيت مثله، سمعتُ أبا إسحاق الحبّال يقول: لم يكن في الدّنيا مثل أبي القاسم سعْد بن عليّ الزَّنجانيّ في الفضل. وكان يحضر معنا المجالس، ويُقرأ الخطأ بين يديه، فلا يردّ على أحدٍ شيئًا، إلّا أن يُسأل فيُجيب.

قال ابن طاهر: وسمعت الفقيه هياج بن عبيد إمام الحرم ومفتيه يقول: يومٌ لا أرى فيه سعد بن علي لا أعتد أني عملت خيرًا.

وكان هياج يعتمر ثلاث مرات. وسيأتي ذكره.

قال ابن طاهر: كان الشّيخ سعْد لمّا عزم على المجاورة عزم على نيِّفٍ وعشرين عزيمة أنّه يُلْزِمَها نفسَه مِن المجاهدات والعبادات. ومات بعد أربعين سنة ولم يخلّ منها بعزيمةٍ واحدة.


١ السير "١٤/ ٦٤٢".