للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَسْلَمْتُ؟ فَوَاللَّهِ مَا رَاجَعَهُ حَتَّى قَامَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، حَتَّى قَامَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَلَا إِنَّ ابْنَ الْخَطَّابِ قَدْ صَبَأَ، قَالَ يَقُولُ عُمَرُ مِنْ خَلْفِهِ: كَذَبَ، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ، وَثَارُوا إِلَيْهِ فَمَا بَرِحَ يُقَاتِلُهُمْ، وَيُقَاتِلُونَهُ حَتَّى قَامَتِ الشَّمْسُ على رؤوسهم، قال وطلح١ فقعد وقاموا على رأسه وهوي قول: افْعَلُوا مَا بَدَا لَكُمْ، فَأَحْلِفُ بِاللَّهِ أَنْ لَوْ كُنَّا ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ لَقَدْ تَرَكْنَاهَا لَكُمْ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا لَنَا، فَبَيْنَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ، إِذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ عَلَيْهِ حُلَّةٌ حِبْرَةٌ، وَقَمِيصٌ مُوَشًّى٢، حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: صَبَأَ عُمَرُ، قَالَ: فَمَهْ! رَجُلٌ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَمْرًا فَمَاذَا تُرِيدُونَ! أَتَرَوْنَ بَنِي كَعْبِ بْنِ عَدِيٍّ يُسْلِمُونَهُ! خَلُّوا عَنْهُ، قَالَ: فَوَاللَّهِ لَكَأَنَّمَا كَانُوا ثَوْبًا كُشِطَ٣ عَنْهُ، فَقُلْتُ لِأَبِي بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ: يَا أَبَهْ، مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي زَجَرَ الْقَوْمَ عَنْكَ؟ قَالَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ٤.

وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ، مِنْ حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ.

وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيُّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ لَنَا عُمَرُ: كُنْتُ أَشَدَّ النَّاسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَيْنَا أَنَا فِي يَوْمٍ حَارٍّ بِالْهَاجِرَةِ، فِي بَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ؛ إِذْ لَقِيَنِي رَجُلٌ فَقَالَ: عَجَبًا لك يابن الْخَطَّابِ، إِنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ وَأَنَّكَ، وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْكَ هَذَا الْأَمْرُ فِي بَيْتِكَ، قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: أُخْتُكَ قَدْ أَسْلَمَتْ، فَرَجَعْتُ مُغْضَبًا حَتَّى قَرَعْتُ الْبَابَ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ والرجلان ممّن لا شيء له ضمّهما إلى مَنْ فِي يَدِهِ سِعَةً فَيَنَالَانِ مِنْ فَضْلِ طعامه، وقد كان ضمّ إلى زَوْجِ أُخْتِي رَجُلَيْنِ، فَلَمَّا قَرَعْتُ الْبَابَ قِيلَ: "مَنْ هَذَا؟ " قِيلَ: عُمَرُ، فَتَبَادَرُوا فَاخْتَفَوْا مِنِّي، وقد كانوا يقرؤون صَحِيفَةً بَيْنَ أَيْدِيهِمْ تَرَكُوهَا أَوْ نَسَوْهَا، فَقَامَتْ أُخْتِي تَفْتَحُ الْبَابَ، فَقُلْتُ: يَا عَدُوَّةَ نَفْسِهَا، أَصَبَأْتِ، وَضَرَبْتُهَا بِشَيْءٍ فِي يَدِي عَلَى رَأْسِهَا، فسال الدم وبكت، وقالت: يا بن الْخَطَّابِ مَا كُنْتَ فَاعِلا فَافْعَلْ فَقَدْ صَبَأْتُ، قَالَ: وَدَخَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ عَلَى السَّرِيرِ، فَنَظَرْتُ إِلَى الصَّحِيفَةِ فَقُلْتُ: مَا هَذَا نَاوِلِينِهَا، قَالَتْ: لست


١ طلح: فسد، والمراد هنا أعيا.
٢ موشى: مزخرف.
٣ كشط: زال.
٤ إسناده حسن: أخرجه ابن إسحاق كما في "سيرة ابن هشام" "١/ ٣٣٠"، وقال الحافظ ابن كثير في "البداية" "٢/ ٩٨": هذا إسناد جيد قوي.