للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ أَهْلِهَا، أَنْتَ لا تَطَهِّرُ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَهَذَا كِتَابٌ لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ، فَمَا زِلْتُ بِهَا حَتَّى نَاوَلَتْنِيهَا، فَفَتَحْتُهَا، فَإِذَا فِيهَا {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فَكُلَّمَا مَرَرْتُ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ذُعِرْتُ مِنْهُ، فَأَلْقَيْتُ الصَّحِيفَةَ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي فَتَنَاوَلْتُهَا، فإذا فيها {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ١ فذعرت، فقرأت إلى {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} ٢ فقلت: أشهد ن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَخَرَجُوا إِلَيَّ مُتَبَادِرِينَ وَكَبَّرُوا، وَقَالُوا: أَبْشِرْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَا يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ أَعِزَّ دِينَكَ بِأَحَبِّ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ إِمَّا أَبُو جَهْلٍ وَإِمَّا عُمَرُ"، وَدَلُّونِي عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتٍ بِأَسْفَلِ الصَّفَا، فَخَرَجْتُ حَتَّى قَرَعْتُ الْبَابَ، فَقَالُوا: مَنْ؟ قُلْتُ: ابْنُ الْخَطَّابِ، وَقَدْ عَلِمُوا شِدَّتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فما اجْتَرَأَ أَحَدٌ أَنْ يَفْتَحَ الْبَابَ، حَتَّى قَالَ: "افْتَحُوا لَهُ" فَفَتَحُوا لِي، فَأَخَذَ رَجُلانِ بِعَضُدِي، حَتَّى أَتَيَا بِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: خَلُّوا عَنْهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِمَجَامِعِ قَمِيصِي وَجَذَبَنِي إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَسْلِمْ يَابْنَ الْخَطَّابِ، اللَّهُمَّ اهْدِهِ" فَتَشَهَّدْتُ، فَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ تَكْبِيرَةً سُمِعَتْ بِفِجَاجِ مَكَّةَ، وَكَانُوا مُسْتَخْفِينَ، فَلَمْ أَشَأْ أَنْ أَرَى رَجُلًا يضرِب ويُضرب إِلَّا رَأَيْتُهُ، وَلَا يُصِيبُنِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَجِئْتُ خَالِي وَكَانَ شَرِيفًا، فَقَرَعْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: ابْنُ الْخَطَّابِ وَقَدْ صَبَأْتُ قَالَ: لَا تَفْعَلْ، ثُمَّ دَخَلَ وَأَجَافَ الْبَابَ دُونِي.

فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِشَيْءٍ، فَذَهَبْتُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ عُظَمَاءِ قُرَيْشٍ، فَنَادَيْتُهُ، فَخَرَجَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ مثل ما قال لِخَالِي، وَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ خَالِي، فَدَخَلَ وَأَجَافَ الْبَابَ دُونِي فَقُلْتُ: مَا هَذَا بشيء، إنّ المسلمين ويضربون وَأَنَا لَا أُضْرَبُ، فَقَالَ لِي رَجُلٌ: أَتُحِبُّ أَنْ يُعْلَمَ بِإِسْلَامِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِذَا جَلَسَ النَّاسُ فِي الْحِجْرِ فَأْتِ فُلَانًا، لِرَجُلٍ لَمْ يَكُنْ يَكْتُمُ السِّرَّ، فَقُلْ لَهُ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ إِنِّي قَدْ صَبَأْتُ، فَإِنَّهُ قَلَّمَا يَكْتُمُ السِّرَّ، فَجِئْتُ، وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ فِي الْحِجْرِ، فَقُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ: إِنِّي قَدْ صَبَأْتُ، قَالَ: أَوَقَدْ فَعَلْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: إِنَّ ابْنَ الْخَطَّابِ قَدْ صَبَأَ، فَبَادَرُوا إِلَيَّ، فَمَا زِلْتُ أَضْرِبُهُمْ وَيَضْرِبُونَنِي، وَاجْتَمَعَ عَلَيَّ النَّاسُ، قَالَ خَالِي: مَا هَذِهِ الْجَمَاعَةُ؟ قِيلَ: عُمَرُ قَدْ صَبَأَ، فَقَامَ عَلَى الْحِجْرِ، فَأَشَارَ بِكُمِّهِ: أَلَا إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ ابْنَ أُخْتِي، فَتَكَشَّفُوا عَنِّي، فَكُنْتُ لَا أَشَاءُ أَنْ أَرَى رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَضْرِبُ وَيُضْرَبُ إِلَّا رَأَيْتُهُ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِشَيْءٍ حَتَّى يُصِيبَنِي ما


١ سورة الحديد: ١.
٢ سورة الحديد: ٧.