للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واجتمع من إصبهان وأعمالها لقتالهم الأُممُ العظيمة، فأحاطوا بجبل القلعة، ودَوْرُهُ أربعةُ فَرَاسخ، إلى أنّ تعذّر عليهم القُوت، وذلّوا، فكتبوا فُتْيا: ما يَقُولُ السادة الفُقَهاء في قوم يؤمنون باللَّه وكُتُبه ورُسُلِه واليوم الآخر، وإنّما يخالفون في الْإِمَام، هَلْ يجوز للسّلطان مهادنتهم ومُوادعتهم، وأن يقبل طاعتهم؟ فأجاب الفُقهاء بالجواز، وتوقّف بعض الفُقَهاء. فجُمعوا للمناظرة، فقال أبو الحَسَن عليّ بْن عَبْد الرحمن السّمنجانيّ: يجب قتالهم، ولا ينفعهم اللَّفْظ بالشّهادتين، فإنّهم يقال لهم: أَخْبِرُونا عَنْ إمامكم إذا أباح لكم ما حذّره الشّارع أيقبلون منهم؟ فإنّهم يقولون: نعم، وحينئذ تُباح دماؤهم بالإجماع. وطالت المناظرة في ذَلِكَ. ثمّ بعثوا يطلبون من السّلطان من يناظرهم، وعيّنوا أشخاصًا، منهم شيخ الحنفيّة القاضي أبو العلا صاعد بْن يحيى قاضي إصبهان، فصعدوا إليهم، وناظروهم، وعادوا كما صعدوا. وإنّما كَانَ قصدهم التَّعَلُّل، فلجّ السّلطان حينئذٍ في حصرهم. فأذعنوا١ بتسليم القلعة على أن يعطوا قلعة خالنجان، وهي عَلَى مرحلةٍ من إصبهان.

وقالوا: إنا نخاف عَلَى أرواحنا من العامّة، ولا بُدّ من مكانٍ نأوي إِلَيْهِ. فأُشير عَلَى السّلطان بإجابتهم، فسألوا أنّ يؤخّرهم إلى يوم النَّوْرُوز، ثمّ يتحوّلون. فأجابهم إلى ذَلِكَ. هذا، وقصْدُهُم المطاولة إنتظارًا لفتقٍ يَنْفَتِق، أو حادث يتجدّد. ورتّب لهم الوزير سعْد المُلْك راتبًا كلّ يوم. ثمّ بعثوا مَن وثب عَلَى أميرِ كَانَ جدّ في قتالهم، فجُرِح وسَلِم، فحينئذٍ خرّب السّلطان قلعة خالنجان، وجدّد الحصار عليهم. فطلبوا أنّ ينزل بعضهم، ويرسل السّلطان معهم من يحميهم إلى قلعة الناظر بأَرَّجَان، وهي لهم، وإلى قلعة طَبَس، وأن يقيم باقيهم في ضرس القلعة إلى أنّ يصل إليهم من يخبرهم بوصول أصحابهم، فأجابهم إلى ذَلِكَ، وذهبوا، ورجع من أخبر الباقين بوصول أولئك إلى القلعتين. فلم يسلّم ابن غطاس النّاس الذين احتموا فيه، ورأى السّلطان منه الغدر والرجوع عما تقرر، فزحف الناس عليه عامة، في ثاني ذي القعدة. وكان قد قل عنده من يمنع أو يقاتل، وظهر منه بأسٌ شديد، وشجاعة عظيمة، وكان قد استأمن إلى السّلطان إنسانٌ من أعيانهم فقال: أَنَا أدلكم عَلَى عورة لهم، فأتى بهم إلى جانب السّنّ لا يُرام فقال: اصعدوا من ههنا. فقيل: إنّهم قد ضبطوا هذا المكان وشحنوه بالرجال.


١ أذعنوا: خضعوا، واستسلموا.