للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العفْو والصَّفح، وتتنصّل غاية التّنصُّل، فقد ظهرت عندنا من الآيات السّماويَّة والأرضية ما لَا طاقة لنا بسماع مثلها، فضلًا عن المشاهدة من العواصف والبُرُوق والزلازل، ودوام ذلك عشرين يومًا، وتشويش العساكر وانقلاب البلدان، ولقد خِفْت على نفسي من جانب الله وظهور آياته، وامتناع الناس من الصّلوات في الجوامع، ومنْع الخُطَباء ما لَا طاقة لي بحمله، فالله الله بتلافي أمرك، وتعيد أمير المؤمنين إلى مقّر عزّه، وتسلِّم إليه دُبَيْسًا ليحكم فيه، وتحمل الغاشية بين يديه أنت وجميع الأمراء، كما جرت عادتنا وعادة آبائنا.

فنفّذ مسعود بهذه المكاتبة مع الوزير، ونظر، فدخلا على الخليفة، واستأذنا لمسعود، فدخل وقبّل الأرض، ووقف يسأل العفو، فقال: قد عُفِي عن ذنْبك، فاسكن وَطِبْ نفْسًا١.

شفاعة مسعود بدُبَيْس:

ثمّ عامله مسعود بما أمره به عمّه، وسأل من الخليفة أن يُشَفَّعه في دُبَيْس، فأجابه، فأحضروه مكتوفا بين أربعة أمراء، ومع واحد سيف مجذوب، وكَفَن منشور، وأُلقي بين يدي السّرير، وقال مسعود: يا أمير المؤمنين هذا السّبب الموجب لِما تمّ، فإذا زال السّبب زال الخلاف، ومهما تأمر نفعل به. وهو يبكي ويتضرَّع ويقول: العفو عند المقدرة، وأنا أقَلّ وأَذَلّ.

فعفي عنه وقال: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} [يوسف: ٩٢] فخلّوه، وقبّل يد أمير المؤمنين وأَمرَّها على وجهه، وقال: بقرابتك من رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلّا ما عفوت عنّي، وتركتني أعيش في الدّنيا، فإنّ الخوف منك قد برّح بي٢.

نقضْ سور بغداد:

وأمّا بكبة شِحْنة بغداد، فإنّه أمر بنقْض السُّور ببغداد، فنُقِض مواضع كثيرة.

وقال: عمرتموه بفرح، فانقضوه لذلك.


١ المنتظم "١٠/ ٤٧"، الكواكب الدرية "١٠٠"، أخبار الدول "٢/ ١٦٩، ١٧٠".
٢ المنتظم "١٠/ ٤٨".