للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنِّي، فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ، أَرَاكَ فِي قِلَّةٍ مِنَ النَّاسِ! فَقَالَ بِالسَّوْطِ، وَأَشَارَ إِلَى حَقِيبَةِ الرَّحْلِ: هَذِهِ خَلْفِي مَمْلُوءَةٌ كُتُبًا.

قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: وَحَدَّثَنِي شِهَابُ بْنُ خِرَاشٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالَ: كُنْتُ فِي الْجَيْشِ الَّذِينَ بَعَثَهُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ إِلَى الْحُسَيْنِ، وَكَانُوا أَرْبَعَةَ آلَافٍ يُرِيدُونَ الدَّيْلَمَ، فَصَرَفَهُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى الْحُسَيْنِ، فَلَقِيتُ حُسَيْنًا، فَرَأَيْتُهُ أَسْوَدَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، فَقُلْتُ لَهُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، وَكَانَتْ فِيهِ غُنَّةٌ١.

قَالَ شِهَابٌ: فَحَدَّثْتُ بِهِ زَيْدَ بْنَ عَلِيٍّ، فَأَعْجَبَهُ قَوْلُهُ وَكَانَتْ فِيهِ غُنَّةٌ.

ابْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، وَغَيْرِهِ، بِإِسْنَادِهِمْ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَرْسَلَ رَجُلًا عَلَى نَاقَةٍ إِلَى الْحُسَيْنِ، يُخْبِرُهُ بِقَتْلِ مُسْلِمِ بْنِ عُقَيْلٍ، وَكَانَ قَدْ بَعَثَهُ الْحُسَيْنُ إِلَى الْكُوفَةِ كَمَا مَرَّ فِي سَنَةِ سِتِّينَ، فَقَالَ لِلْحُسَيْنِ وَلَدُهُ عَلِيٌّ الْأَكْبَرُ: يَا أَبَهِ ارْجِعْ، فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَغَدْرُهُمْ، وَقِلَّةُ وَفَائِهِمْ، وَلَا لَكَ بِشَيْءٍ، فَقَالَتْ بَنُو عُقَيْلٍ: لَيْسَ هَذَا حِينَ رُجُوعٍ، وَحَرَّضُوهُ عَلَى الْمُضِيِّ.

وَقَالَ الْحُسَيْنُ لِأَصْحَابِهِ: قَدْ تَرَوْنَ مَا يَأْتِينَا، وَمَا أَرَى الْقَوْمَ إِلَّا سَيَخْذِلُونَنَا، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَلْيَرْجِعْ، فَانْصَرَفَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَبَقِيَ فِيمَنْ خَرَجَ مَعَهُ مِنْ مَكَّةَ، فَكَانَتْ خَيْلُهُمُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ فَرَسًا. وَأَمَّا ابْنُ زِيَادٍ فَجَمَعَ الْمُقَاتِلَةَ وَأَمَرَ لَهُمْ بِالْعَطَاءِ.

وَقَالَ يَزِيدُ الرِّشْكُ: حَدَّثَنِي مَنْ شَافَهَ الْحُسَيْنُ قَالَ: رَأَيْتُ أبنية مَضْرُوبَةً بِالْفَلَاةِ٢ لِلْحُسَيْنِ، فَأَتَيْتُهُ، فَإِذَا شَيْخٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَالدُّمُوعُ تَسِيلُ عَلَى خديه، فقلت: بأبي وأمي يا بن بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ، مَا أَنْزَلَكَ هَذِهِ الْبِلَادَ وَالْفَلَاةَ الَّتِي لَيْسَ بِهَا أَحَدٌ -قَالَ: هَذِهِ كتب أَهْلُ الْكُوفَةِ إِلَيَّ، وَلَا أَرَاهُمْ إِلَّا قَاتِلِيَّ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ لَمْ يَدَعُوا للَّهِ حُرْمَةً إِلَّا انْتَهَكُوهَا، فَيُسَلِّطُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَنْ يُذِلُّهُمْ حَتَّى يَكُونُوا أَذَلَّ مَنْ فَرَمِ٣ الْأَمَةِ، يَعْنِي مُقَنَّعَتَهَا٤.

قُلْتُ: نَدَبَ ابْنُ زِيَادٍ لِقِتَالِ الْحُسَيْنِ، عُمَرَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. فروى الزبير


١ خبر ضعيف: السير "٣/ ٣٠٥"، وفيه جهالة أحد الرواة.
٢ الفلاة: الصحراء.
٣ فرم: شيء حقير كخرق الحيض، أو الإماء من العبيد.
٤ خبر ضعيف: فيه جهالة أحد الرواة. أخرجه الطبري "٥/ ٣٩٤" في تاريخه.