للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن بَكَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ بِالْحُسَيْنِ أَيْقَنَ أَنَّهُمْ قَاتِلُوهُ، فَقَامَ فِي أَصْحَابِهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ نَزَلَ بِنَا مَا تَرَوْنَ، إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَغَيَّرَتْ وَتَنَكَّرَتْ، وَأَدْبَرَ مَعْرُوفُهَا، وَاسْتَمَرَّتْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلًا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الْإِنَاءِ، وَإِلَّا خَسِيسُ عَيْشٍ كَالْمَرْعَى الْوَبِيلِ، أَلَا تَرَوْنَ الْحَقَّ لَا يُعْمَلُ بِهِ، والباطل لا ينتاهى عَنْهُ، لِيَرْغَبَ الْمُؤْمِنُ فِي لِقَاءِ اللَّهِ، وَإِنِّي لَا أَرَى الْمَوْتَ إِلَّا سَعَادَةً، وَالْحَيَاةُ مَعَ الظَّالِمِينَ إِلَّا بَرَمًا١.

وَقَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَوْ غَيْرِهِ، أَنَّ الْحُسَيْنَ لَمَّا أَرْهَقَهُ السِّلَاحُ قَالَ: أَلَا تَقْبَلُونَ مِنِّي مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْبَلُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ؟ قِيلَ: وَمَا كَانَ يَقْبَلُ مِنْهُمْ؟ قَالَ: كَانَ إِذَا جَنَحَ أَحَدُهُمْ لِلسِّلْمِ قَبِلَ مِنْهُ، قَالُوا: لَا، قَالَ: فَدَعُونِي أَرْجِعُ، قَالُوا: لَا، قَالَ: فَدَعُونِي آتِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدَ. فَأَخَذَ لَهُ رَجُلٌ السِّلَاحَ، فَقَالَ لَهُ: أَبْشِرْ بِالنَّارِ، فَقَالَ: بِلْ إِنْ شَاءَ اللَّهِ بِرَحْمَةِ رَبِّي وَشَفَاعَةِ نَبِيِّي، قَالَ: فَقُتِلَ وَجِيءَ بِرَأْسِهِ حَتَّى وُضِعَ فِي طَسْتٍ بَيْنَ يَدَيِ ابْنِ زِيَادٍ، فَنَكَتَهُ بِقَضِيبِهِ وَقَالَ: لَقَدْ كَانَ غُلَامًا صَبِيحًا، ثُمَّ قَالَ: أيُّكُمْ قاتله؟ فقال الرجل، فقال: مَا قَالَ لَكَ؟ فَأَعَادَ الْحَدِيثَ، فَاسْوَدَّ وَجْهُهُ٢.

وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ بِأَسَانِيدِهِ، قَالُوا: وَأَخَذَ الْحُسَيْنُ طَرِيقَ الْعُذَيْبِ٣، حَتَّى نَزَلَ قَصْرَ أَبِي مُقَاتِلٍ، فَخَفَقَ خَفْقَةً، ثُمَّ انْتَبَهَ يَسْتَرْجِعُ وَقَالَ: رَأَيْتُ كَأَنَّ فَارِسًا يُسَايِرُنَا وَيَقُولُ: الْقَوْمُ يَسِيرُونَ وَالْمَنَايَا تَسْرِي إِلَيْهِمْ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ نَعَى إِلَيْنَا أَنْفُسَنَا، ثُمَّ سَارَ فَنَزَلَ بِكَرْبَلَاءَ، فَسَارَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ كَالْمُكْرَهِ، وَاسْتَعْفَى عُبَيْدُ اللَّهِ فَلَمْ يَعْفِهِ، وَمَعَ الْحُسَيْنِ خَمْسُونَ رَجُلًا، وَتَحَوَّلَ إِلَيْهِ مِنَ الْجَيْشِ عِشْرُونَ رَجُلًا، وَكَانَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ تِسْعَةُ عَشَرَ رَجُلًا، وَقُتِلَ عَامَةُ أَصْحَابِهِ حَوْلَهُ، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَبَقِيَ عَامَةُ نَهَارِهِ لَا يَقْدُمُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَأَحَاطَتْ بِهِ الرَّجَّالَةُ، فَكَانَ يَشُدُّ عَلَيْهِمْ فَيَهْزِمُهُمْ، وَهُمْ يَتَدَافَعُونَهُ، يَكْرَهُونَ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ، فَصَاحَ بِهِمْ شِمْرٌ: ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ مَاذَا تَنْتَظِرُونَ بِهِ؟ فَطَعَنَهُ سِنَانُ بْنُ أَنَسٍ النَّخَعِيُّ فِي تَرْقُوَتِهِ، ثُمَّ انْتَزَعَ الرُّمْحَ وَطُعِنَ فِي بَوَانِي٤ صَدْرِهِ، فَخَرَّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- صَرِيعًا، وَاحْتَزَّ رَأْسَهُ خَوْلِيٌّ الْأَصْبَحِيُّ،


١ الحلية "٢/ ٣٩".
٢ خبر ضعيف: السير "٣/ ٣١٠، ٣١١" وفيه جهالة أحد الرواة.
٣ العذيب: إحدى الطرق المشهورة بالماء عند القادسية بالعراق.
٤ البواني: الأضلاع.